لاتتقدم الدول الا بالخليفة الصالح
بقلم د / ياسر جعفر
لاتتقدم الدول الا بالخليفة الصالح
نعم في الحقيقة لاتتقدم الدول الا بالخليفه الصالح والقائد التقي الذي يتقي الله في نفسه وفي الشعب وخاصة فئة الضعفاء والمساكين ، وربما يسأل القارئ نفسه ويقول دا سياسه والخليفه ماله ومال السياسه او الساسه؟!
مافي حاجه مع القائد التقي الذي يحكم بالعدل وبشرع الله اسمها سياسه لان الحاكم التقي يحكم بشرع الله ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه هريرة 🙁 *عن أبي حازم قال: قَاعَدْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ، عَنِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: كَانَتْ بَنُو إسْرَائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِيَاءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وَسَتَكُونُ خُلَفَاءُ فَتَكْثُرُ، قالوا: فَما تَأْمُرُنَا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ، فَالأوَّلِ، وَأَعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ، فإنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعَاهُمْ*) رواه مسلم،
وفي روايه لابي هريرة(
( *قاعَدْتُ أبا هُرَيْرَةَ خَمْسَ سِنِينَ، فَسَمِعْتُهُ يُحَدِّثُ عَنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، قالَ: كانَتْ بَنُو إسْرائِيلَ تَسُوسُهُمُ الأنْبِياءُ، كُلَّما هَلَكَ نَبِيٌّ خَلَفَهُ نَبِيٌّ، وإنَّه لا نَبِيَّ بَعْدِي، وسَيَكونُ خُلَفاءُ فَيَكْثُرُونَ. قالوا: فَما تَأْمُرُنا؟ قالَ: فُوا ببَيْعَةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، أعْطُوهُمْ حَقَّهُمْ؛ فإنَّ اللَّهَ سائِلُهُمْ عَمَّا اسْتَرْعاهُمْ*) رواه البخاري،
كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يحُثُّ على لُزومِ جَماعةِ المسلِمين، ويَنهَى عن الخُروجِ على وَليِّ الأمرِ الَّذي ثبَتَتْ له البَيعةُ، وقدْ كان للأُمَّةِ السِّيادةُ والظُّهورُ في الأرضِ حِينما كانتْ مُتمسِّكةً بدِينِها، مُجتمِعةً عليه، وتَولَّى أمْرَها الصَّالِحون، وانقادَ لهم النَّاسُ بالمعروفِ.
وفي هذا الحديثِ يَحْكي التَّابعيُّ أبو حازمٍ سَلْمانُ الأشجعيُّ، أنَّه لازَمَ الصَّحابيَّ أبا هُرَيرةَ رَضيَ اللهُ عنه خمْسَ سِنينَ، وقدْ سَمِعَه يُخبِرُ عن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ بَني إسرائيلَ كانت تَسُوسُهُمُ الأنبياءُ، أي: يَتولَّون أُمورَهم، كما تَفعَلُ الأمراءُ والوُلاةُ بالرَّعيَّةِ، والسِّياسةُ: القيامُ على الشَّيءِ بما يُصلِحُه، وكانت تَتعاقَبُ عليهم الأنبياءُ؛ فكلَّما مات نَبيٌّ أرسَلَ اللهُ عزَّ وجلَّ نبيًّا آخَرَ يَخلُفُ النَّبيَّ السَّابقَ في القيامِ عليهم وتَولِّي شُؤونِهم.
أمَّا هذه الأُمَّةُ فإنَّ نَبيَّها محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ خاتِمُ الأنبياءِ، لا *نَبيَّ بعْدَه، ومضَى قدَرُ اللهِ أنْ يَتولَّى الخلفاءُ رِعايةَ هذه الأُمَّةِ، والقيامَ على إصلاحِها بعْدَه صلَّى اللهُ عليه* وسلَّمَ، وبيَّنَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنَّ الخُلفاءَ مِن بعْدِه سيَكْثُرون، وهذا مِن عَلاماتِ نُبوَّتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ؛ فقدْ كثُرَ الخُلفاءُ بعْدَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وتَوالى على الأُمَّةِ المصْلِحون منهم والمسِيئون، وكَثُروا في زَمانٍ واحدٍ، وتَنازَعوا وتَقاتَلوا. فسَأَلَ الصَّحابةُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: « *فَما تَأْمُرُنا؟*» أي: إذا وَقَعَ التَّشاجرُ والتَّنازُعُ بيْنهم، فما تَأمُرُنا أنْ نَفعَلَ؟ فوجَّهَهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إلى الوفاءِ ببَيعةِ الخليفةِ الأوَّلِ فالأوَّلِ، *فكلَّما انقَضَت وِلايةُ خَليفةٍ، وأعقَبَه آخَرُ، وبايَعَه النَّاسُ؛ وجَبَ الوفاءُ ببَيعتِه كما كان الحالُ مع سابقِه، وإذا بُويِعَ لخَليفةٍ آخَرُ في وُجودِ الأوَّلِ، فبَيعةُ الأوَّلِ صَحيحةٌ يَجِبُ الوفاءُ بها، وبَيعةُ الثَّاني باطلةٌ يَحرُمُ الوفاءُ بها، ويَحرُمُ عليه طَلَبُها. وفي صَحيحِ مُسلمٍ مِن حَديثِ عبْدِ اللهِ بنِ* عمرِو بنِ العاصِ رَضيَ اللهُ عنهما: «..فإنْ جاء آخَرُ يُنازِعُه فاضْرِبوا عُنقَ الآخَرِ».
وإذا تَمَّت البَيعةُ الشَّرعيَّةُ للخليفةِ وَجَبَ على كلِّ مُسلمٍ الوفاءُ بحقِّه، مِن السَّمعِ والطَّاعةِ في غيرِ مَعصيةٍ؛ فإنَّ في ذلك إعلاءَ كَلمةِ الدِّينِ وكَفَّ الفِتَنِ والشُّرورِ. وهذه الخِلافةُ أمانةٌ سَوفَ يَسأَلُ اللهُ تعالَى الخُلفاءَ عنها يومَ القِيامةِ؛ *فكلُّ راعٍ مَسؤولٌ* عن رَعيَّتِه.
وفي الحديثِ: تَعظيمُ أمْرِ البَيعةِ، والتَّحذيرُ مِن الخروجِ على مَن ثَبَتَت وِلايتُه بطَريقةٍ شَرعيَّةٍ
وكان الانبياء يحكمون بين الناس بالعدل ،. الأنبياءُ يَحكُمونَ بين النَّاسِ، ويقودون الأُمَّة في السِّلمِ والحَربِ، ويَلُون شُؤونَ القَضاءِ، ويقومون على رعايةِ مَصالحِ النَّاسِ، وهم في كلِّ ذلك عامِلون بطاعةِ اللهِ، وطاعتُهم في ذلك كلِّه طاعةٌ للهِ تعالى .
قال اللهُ تعالى: يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ [ص: 26] .
قال السَّعْديُّ: (*يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ تُنفِّذُ فيها القضايا الدِّينيَّةَ والدُّنيويَّةَ*) .
وأنبياءُ بني إسرائيلَ كانوا يَسُوسون أمَّتَهم بالتوراةِ.
قال اللهُ سُبحانَه عن التوراةِ: “*يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ*” أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا [المائدة: 44]
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((*كانت بنو إسرائيلَ تسوسُهم الأنبياءُ، كُلَّما هلك نبيٌّ خلَفَه نبيٌّ* )) .
قال العَينيُّ: (*أي: تتوَلَّى أمورَهم كما تفعَلُ الأُمَراءُ والوُلاةُ بالرَّعِيَّةِ، والسِّياسةُ القيامُ على الشَّيءِ بما يُصلِحُه؛ وذلك لأنَّهم كانوا إذا أظهروا الفسادَ بعث اللهُ نَبِيًّا يزيلُ الفَسادَ عنهم، ويقيمُ لهم أمْرَهم ويُزيلُ ما غَيَّروا من حُكْمِ التوراةِ*)
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا [النور: 51] .
قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (إنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أسَّسَ مَسجِدَه المبارَكَ على التقوى؛ ففيه الصَّلاةُ والقراءةُ والذِّكرُ، وتعليمُ العِلْمِ، والخُطَبُ، وفيه السِّياسةُ وعَقدُ الأَلْوِيَةِ والرَّاياتِ، وتأميرُ الأمراءِ وتعريفُ العُرَفاءِ، وفيه يجتمع المُسلِمون عنده لِما أهمَّهم من أمرِ دينِهم ودُنياهم، وكذلك عُمَّالُه في مِثلِ مَكَّةَ والطَّائفِ وبلادِ اليَمَنِ وغيرِ ذلك من الأمصارِ والقرى، وكذلك عُمَّالُه على البوادي؛ فإن لهم مجمَعًا فيه يُصَلُّون وفيه يُساسون، كما قال النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((*إنَّ بني إسرائيلَ كان تسوسُهم الأنبياءُ، كُلَّما ذهب نَبيٌّ خَلَفه نَبيٌّ، وإنَّه لا نَبيَّ بَعْدي*)) .
وقال عبد الرزاق عفيفي: (*اقتضت حِكْمةُ اللهِ أن يُرسِلَ رُسُلَه رحمةً بعِبادِه، وإقامةً للعَدلِ بينهم، وتبصيرًا لِما يَجِبُ عليهم من حقوقِ خالِقِهم، وإعانةً لهم على أنفُسِهم، وإعذارًا إليهم؛ فإنَّه لا أحَدَ أحَبُّ إليه العُذرُ مِنَ اللهِ*)
وكانت مهمة الرسل مهمة تحمل الامانة في جميع المجالات وعلي جميع الاصعدة ،
مُهِمَّةُ الرُّسُلِ الأُولى هي إبلاغُ الأمانةِ التي تحمَّلوها إلى عبادِ اللهِ.
قال اللهُ تعالى: وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ [النور: 54] .
قال ابنُ جَريرٍ: (يقولُ: وغيرُ واجبٍ على من أرسله اللهُ إلى قومٍ برسالةٍ إلَّا أن يُبَلِّغَهم رسالتَه بلاغًا يُبِينُ لهم ذلك البلاغُ عمَّا أراد اللهُ به) .
وقال أيضًا: (*يعني بالبلاغِ المُبِينِ: الذي يَبِينُ لِمن سمعه ما يرادُ به، ويُفهَمُ به ما يعني به*)
وقال اللهُ سُبحانَه: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة: 67] .
قال السَّعْديُّ: (هذا أمرٌ من اللهِ لرسولِه مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بأعظَمِ الأوامِرِ وأجَلِّها، وهو التبليغُ لِما أنزل اللهُ إليه، ويدخُلُ في هذا كُلُّ أمرٍ تلقَّتْه الأُمَّةُ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم من العقائدِ والأعمالِ والأقوالِ، والأحكامِ الشَّرعيَّةِ والمطالِبِ الإلهيَّةِ. فبلَّغ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أكمَلَ تبليغٍ، ودعا وأنذر، وبَشَّر ويَسَّر، وعَلَّم الجُهَّالَ الأُمِّيِّين حتى صاروا من العُلَماءِ الرَّبَّانيِّين، وبلَّغ بقَولِه وفِعْلِه وكُتُبِه ورُسُلِه، فلم يَبْقَ خيرٌ إلَّا دلَّ أمَّتَه عليه، ولا شَرٌّ إلَّا حذَّرها عنه، وشهد له بالتبليغِ أفاضِلُ الأُمَّةِ من الصَّحابةِ، فمَن بَعْدَهم من أئمَّةِ الدِّينِ ورِجالِ المُسلِمين.
وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ أي: لم تُبَلِّغْ ما أُنزِلَ إليك من رَبِّك فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ أي: فما امتَثَلْتَ أمْرَه) .
قال الخازنُ: (أجمعوا على أنَّه لا يجوزُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خيانةٌ في الوَحيِ والإنذارِ، ولا يَترُك بَعضَ ما أوحِيَ إليه لقَولِ أحدٍ؛ لأنَّ تجويزَ ذلك يؤدِّي إلى الشَّكِّ في أداء الشَّرائعِ والتكاليفِ؛ لأنَّ المقصودَ من إرسالِ الرَّسولِ التبليغُ إلى من أُرسِلَ إليه، فإذا لم يحصُلْ ذلك فقد فاتت فائدةُ الرِّسالةِ) .
وقال حافِظٌ الحَكَميُّ: (إنَّه أي: الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُبَلِّغٌ عن اللهِ عَزَّ وجَلَّ، لم يَقُلْ شيئًا من رأيِه فيما يتعَلَّقُ بالتبليغِ، بل ليس عليه إلَّا بلاغُ الرِّسالةِ مِنَ اللهِ إلى النَّاسِ، وتلاوةُ آياتِه على النَّاسِ، وتعليمُهم الحِكمةَ والتِّبيانَ… ويكفي في ذلك قَولُ اللهِ تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ لأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ [الحاقة: 44-46] الآيات) .
والبلاغُ يَكونُ بتلاوةِ النُّصوصِ التي أوحاها اللهُ من غيرِ نُقصانٍ ولا زيادةٍ.
قال اللهُ تعالى: اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتابِ [العنكبوت: 45] .
قال ابنُ كثيرٍ: (*قال تعالى آمرًا رسولَه والمُؤمِنين بتلاوةِ القُرآنِ، وهو قراءتُه وإبلاغُه للنَّاسِ*) .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مّنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا [البقرة: 151] .
قال السَّعْديُّ: ( *يقولُ تعالى: إنَّ إنعامَنا عليكم باستقبالِ الكَعبةِ وإتمامَها بالشَّرائِعِ والنِّعَمِ المتَمِّمةِ، ليس ذلك ببِدْعٍ مِن إحسانِنا ولا بأوَّلِه*، بل أنعَمْنا عليكم بأُصولِ النِّعَمِ ومُتَمِّماتِها، فأبلَغُها إرسالُنا إليكم هذا الرَّسولَ الكريمَ منكم، تَعرِفون نَسَبَه وصِدْقَه، وأمانَتَه وكَمالَه ونُصْحَه.
يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا، وهذا يعُمُّ الآياتِ القُرآنيَّةَ وغَيرَها، فهو يتلو عليكم الآياتِ المُبَيِّنةَ للحَقِّ من الباطِلِ، والهدى من الضَّلالِ، التي دلَّتْكم أولًا على توحيدِ اللهِ وكَمالِه، ثُمَّ على صِدْقِ رَسولِه، ووُجوبِ الإيمانِ به، ثُمَّ على جميعِ ما أخبر به من المعادِ والغُيوبِ، حتى حصل لكم الهدايةُ التامَّةُ، والعِلْمُ اليَقينيُّ) .
ومن البلاغِ أن يوضِّحَ الرَّسولُ الوَحيَ الذي أنزله اللهُ لعبادِه؛ لأنَّه أقدَرُ من غيرِه على التعَرُّفِ على معانيه ومراميه، وأعرَفُ من غيرِه بمرادِ اللهِ مِن وَحْيِه.
قال اللهُ تعالى لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 44] .
قال السمعاني: (قَولُه: وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ. وقد كان الرَّسولُ مُبَيِّنًا للوَحيِ، وقد قال أهلُ العِلْمِ: إنَّ بيانَ الكِتابِ في السُّنَّةِ. وقَولُه: وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ يعني: يتدَبَّرون ويَعتَبِرون) .
والبيانُ مِنَ الرَّسولِ للوَحيِ الإلهيِّ قد يَكونُ بالقَولِ.
ومن ذلك ما جاء عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: (لَمَّا نَزَلَتْ هذِه الآيَةُ: الَّذِينَ آمَنُوا ولَمْ يَلْبِسُوا إيمانَهُمْ بظُلْمٍ [الأنعام: 82] شَقَّ ذلكَ علَى أصْحابِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وقالوا: أيُّنا لَمْ يَلْبِسْ إيمانَهُ بظُلْمٍ؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّه ليسَ بذاكَ، ألا تَسْمَعُونَ إلى قَوْلِ لُقْمانَ: إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [لقمان: 13] ) .
وقد يَكونُ البيانُ بالفِعلِ، فأفعالُ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في الصَّلاةِ والصَّدَقةِ والحَجِّ وغيرِ ذلك بيانٌ لكثيرٍ مِن الآياتِ القُرآنيَّةِ.
قال ابنُ تَيمِيَّةَ: (أمَّا الرُّسُلُ فقد تبَيَّن أنَّهم هم الوسائِطُ بيننا وبَينَ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، في أمْرِه ونَهْيِه ووَعْدِه ووَعيدِه وخَبَرِه؛ فعلينا أن نُصَدِّقَهم في كُلِّ ما أخبروا به، ونطيعَهم فيما أوجبوا وأمَروا)
ومن مهام الانبياء والرسل والحكام وخليفه المؤمنيين الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ، دعوةُ الرُّسُلِ إلى اللهِ تقترنُ دائمًا بالتبشيرِ والإنذارِ.
قال اللهُ تعالى: “*وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ الْعَذَابُ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*’ [الأنعام: 48، 49].
قال ابنُ جَريرٍ: (*يقولُ تعالى ذِكْرُه: وما نُرسِلُ رُسُلَنا إلَّا ببِشارةِ أهلِ الطَّاعةِ لنا بالجنَّةِ والفَوزِ المُبِينِ يومَ القيامةِ؛ جزاءً مِنَّا لهم على طاعتِنا، وبإنذارِ من عصانا وخالف أمْرَنا عُقوبَتَنا إيَّاه على معصِيَتِنا يومَ القيامةِ؛ جزاءً مِنَّا على معصِيَتِنا؛ لنُعذِرَ إليه، فيَهلِكَ إن هلك عن بَيِّنةٍ*)
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ في شَأنِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “*يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا*'” [الأحزاب: 45، 46].
قال السَّعْديُّ: (كونُه مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وهذا يَستلزمُ ذِكرَ المُبَشَّرِ والمُنْذَرِ، وما يُبَشَّرُ به ويُنذَرُ، والأعمالِ المُوجِبةِ لذلك.
فالمُبَشَّرُ هم: المُؤمِنون المتَّقون الذين جمعوا بين الإيمانِ والعَمَلِ الصَّالحِ، وتَرْكِ المعاصي، لهم البُشرى في الحياةِ الدُّنيا بكُلِّ ثوابٍ دُنيويٍّ ودِينيٍّ رُتِّبَ على الإيمانِ والتقوى، وفي الأخرى بالنَّعيمِ المقِيمِ.
وذلك كُلُّه يَستلزِمُ ذِكْرَ تفصيلِ المذكورِ من تفاصيلِ الأعمالِ، وخِصالِ التقوى، وأنواعِ الثَّوابِ.
والمُنْذَرُ هم: المجرِمون الظَّالِمون، أهلُ الظُّلمِ والجَهلِ، لهم النِّذارةُ في الدُّنيا من العُقوباتِ الدُّنيويَّةِ والدِّينيَّةِ المترتِّبةِ على الجَهلِ والظُّلمِ، وفي الأُخرى بالعِقابِ الوَبيلِ، والعَذابِ الطَّويلِ.
وهذه الجُملةُ تفصيلُها ما جاء به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الكِتابِ والسُّنَّةِ، المشتَمِلُ على ذلك)
وعن أبي موسى الأشعَريِّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إنما مَثَلي ومَثَلُ ما بعَثَني اللهُ به كمَثَلِ رَجُلٍ أتى قومًا، فقال: يا قَومِ، إني رأيتُ الجَيشَ بعَينيَّ، وإنِّي أنا النذيرُ العُريانُ، فالنَّجَاءَ! فأطاعه طائفةٌ مِن قَومِه، فأدلجوا، فانطَلَقوا على مَهْلِهم، فنَجَوا، وكذَّبَتْه طائِفةٌ منهم، فأصبَحوا مكانَهم، فصَبَّحهم الجيشُ، فأهلَكَهم واجتاحَهم؛ فذلك مَثَلُ من أطاعني، فاتَّبَع ما جئتُ به، ومَثَلُ من عصاني وكذَّب بما جِئتُ به من الحَقِّ )) .
قال أبو العَبَّاسِ القُرطبيُّ: (هذا ضَربُ مَثَلٍ لحالِه في الإنذارِ، ولأحوالِ السَّامِعينَ لإنذارِه؛ فإنَّه أنذرهم بما عَلِمَه من عقابِ اللهِ، وبما يتخوَّفُ عليهم من فَجْأتِه، فمن صَدَّقه نجا، ومن أعرض عنه هلك…
وقَولُه: ((*وإنِّي أنا النَّذيرُ العُريانُ*)) هذا مَثَلٌ، قيل: كان أصلُه: أنَّ رَجُلًا مُعَيَّنًا سلبه العَدُوُّ، فانفَلَت منهم، فأنذر قَومَه عُريانًا. وقيل: كان الرَّجُلُ مِنَ العَرَبِ إذا رأى ما يوجِبُ إنذارَ قَومِه تجَرَّد من ثيابِه، وأشار إليهم ليُعلِمَهم بما دهمَهم، وهذا أشبَهُ وأليَقُ بمقصودِ الحديثِ) .
وتبشيرُ الرُّسُلِ وإنذارُهم دُنيويٌّ وأُخرويٌّ.
فهم في الدُّنيا يُبَشِّرون الطَّائعين بالحياةِ الطَّيِّبةِ.
قال اللهُ تعالى: *”مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً*” [النحل: 97].
وقال اللهُ سُبحانَه: فَمَنِ اتّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلّ وَلَا يَشْقَى [طه: 123] .
ويَعِدُونَهم بالعِزِّ والتمكينِ والأمنِ.
قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: *”وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا*” [النور: 55] .
ويخوِّفون العُصاةَ بالشَّقاءِ الدُّنيويِّ.
قال اللهُ تعالى: “*وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا*” [طه: 124] .
ويُحَذِّرونهم العذابَ والهلاكَ الدُّنيويَّ.
قال اللهُ سُبحانَه: “”*فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ*’ [فَصْلت: 13] .
وفي الآخِرةِ يُبَشِّرون الطَّائعين بالجنَّةِ ونعيمِها.
قال اللهُ سُبحانَه: *”وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ*” [النساء: 13] .
ويخَوِّفون المجرِمين والعُصاةَ عَذابَ اللهِ في الآخِرةِ.
قال اللهُ تعالى: “*وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ*” (النساء ١٤)
ومن مهام الانبياء والرسل والخليفه الإصلاح في الارض لهدايه النفوس وتزكيتها
أرسل اللهُ رُسُلَه بآياتِه لِيُخرِجوا النَّاسَ مِن الظُّلُماتِ إلى النُّورِ.
قال اللهُ تعالى: *وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآيَاتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ* [إبراهيم: 5] .
قال ابنُ كثيرٍ: (أي: أمَرْناه قائلين له: أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ أي: ادْعُهم إلى الخير، لِيَخرُجوا من ظُلُماتِ ما كانوا فيه من الجَهلِ والضَّلالِ إلى نور الهدى وبصيرةِ الإيمانِ) .
وإخراجُ الرُّسُلِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُماتِ إلى النُّورِ لا يتحقَّقُ إلَّا بتعليمِهم تعاليمَ رَبِّهم وتزكيةِ نُفوسِهم بتعريفِهم باللهِ وأسمائِه وصِفاته، وتعريفِهم بملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه واليومِ الآخِرِ، وتعريفِهم ما ينفَعُهم وما يَضُرُّهم، ودَلالتِهم على السَّبيلِ التي توصِلُهم إلى محبَّتِه، وتعريفِهم بعبادتِه .
قال اللهُ سُبحانَه حكايةً عن دعاءِ إبراهيمَ وإسماعيلَ عليهما السَّلامُ: *رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتاب وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ* [البقرة: 129] .
قال ابنُ جَريرٍ: (هذه دعوةُ إبراهيمَ وإسماعيلَ لنبيِّنا مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاصَّةً،… معنى قَولِه: *وَيُزَكِّيهِمْ في هذا الموضِعِ: ويُطَهِّرُهم من الشِّرْكِ باللهِ وعبادةِ الأوثانِ، ويُنَمِّيهم ويُكَثِّرُهم بطاعةِ اللهِ*) .
وقال ابنُ عاشور: (التزكيةُ التطهيرُ مِنَ النقائصِ، وأكبَرُ النقائِصِ الشِّرْكُ باللهِ، وفي هذا تعريضٌ بالذين أعرَضوا عن متابعةِ القُرآنِ وأَبَوا إلَّا البقاءَ على الشِّرْكِ.
وقد جاء ترتيبُ هذه الجُمَلِ في الذِّكرِ على حَسَبِ ترتيبِ وُجودِها؛ لأنَّ أوَّلَ تبليغِ الرِّسالةِ تلاوةُ القُرآنِ، ثُمَّ يَكونُ تعليمُ معانيه؛ قال تعالى: فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ [القيامة: 18، 19] ثُمَّ العِلْمُ تحصُلُ به التزكيةُ، وهي في العَمَلِ بإرشادِ القُرآنِ) .
وقال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: *هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُمِّيِّينَ رَسُولًا مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ* [الجمعة: 2].
قال ابنُ كثيرٍ: (هذه الآيةُ هي مِصداقُ إجابةِ اللهِ لخَليلِه إبراهيمَ، حين دعا لأهلِ مَكَّةَ أن يبعَثَ اللهُ فيهم رَسولًا منهم يتلو عليهم آياتِه ويزكِّيهم ويُعَلِّمُهم الكِتابَ والحِكمةَ. فبعثه اللهُ سُبحانَه وتعالى وله الحَمدُ والمنَّةُ، على حين فترةٍ مِنَ الرُّسُلِ، وطُمُوسٍ مِنَ السُّبُلِ، وقد اشتدَّت الحاجةُ إليه، وقد مقت اللهُ أهلَ الأرضِ عَرَبَهم وعَجَمَهم إلَّا بقايا من أهلِ الكِتابِ -أي: نَزْرًا يسيرًا- ممن تمسَّك بما بعث اللهُ به عيسى بنَ مريمَ عليه السَّلامُ؛ ولهذا قال تعالى: هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الاُمِّيِّينَ رَسُولًا مّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ؛ وذلك أنَّ العَرَبَ كانوا قديمًا مُتمَسِّكين بدينِ إبراهيمَ الخليلِ عليه السَّلامُ، فبَدَّلوه وغَيَّروه، وقلبوه وخالفوه، واستبدلوا بالتوحيدِ شِركًا، وباليقينِ شَكًّا، وابتدعوا أشياءَ لم يأذَنْ بها اللهُ، وكذلك أهلُ الكِتابينِ قد بدَّلوا كُتُبَهم وحَرَّفوها وغَيَّروها وأوَّلوها؛ فبعث اللهُ مُحَمَّدًا صَلَواتُ اللهِ وسلامُه عليه بشَرعٍ عَظيمٍ كاملٍ شاملٍ لجَميعِ الخَلقِ فيه هدايتُهم، والبيانُ لجميعِ ما يحتاجون إليه من أمرِ معاشِهم ومَعادِهم، والدَّعوةُ لهم إلى ما يُقَرِّبُهم إلى الجَنَّةِ ورِضا اللهِ عنهم، والنَّهيُ عمَّا يُقَرِّبُهم إلى النَّارِ وسَخَطِ اللهِ. حاكِمٌ فاصِلٌ لجميعِ الشُّبُهاتِ والشُّكوكِ والرِّيَبِ في الأصولِ والفروعِ. وجمع له تعالى -وله الحَمدُ والمنَّةُ- جميعَ المحاسِنِ ممن كان قَبْلَه، وأعطاه ما لم يُعْطِ أحدًا مِنَ الأَوَّلين، ولا يعطيه أحدًا من الآخِرين، فَصَلَواتُ اللهِ وسَلامُه عليه دائمًا إلى يومِ الدِّينِ)
وقال اللهُ تعالى: *”كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولًا مِنْكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ*” [البقرة: 151] .
قال ابنُ كثيرٍ: (يذكِّرُ تعالى عباده المُؤمِنين ما أنعم به عليهم من بَعثةِ الرَّسولِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إليهم، يتلو عليهم آياتِ اللهِ مُبَيِّناتٍ ويُزَكِّيهم، أي: يُطَهِّرُهم من رذائِلِ الأخلاقِ ودَنَسِ النُّفوسِ وأفعالِ الجاهليَّةِ، ويُخرِجُهم من الظُّلُماتِ إلى النُّورِ، ويُعَلِّمُهم الكِتابَ -وهو القُرآنُ- والحِكمةَ -وهي السُّنَّةُ- ويُعَلِّمُهم ما لم يَكونُوا يَعلَمون؛ فكانوا في الجاهِلِيَّةِ الجَهلاءِ يُسفهونَ بالقَولِ الفِرَى ؛ فانتقلوا ببركةِ رسالتِه ويُمنِ سِفارتِه إلى حالِ الأولياءِ، وسجايا العُلَماءِ، فصاروا أعمَقَ النَّاسِ عِلمًا، وأبَرَّهم قُلوبًا، وأقَلَّهم تَكَلُّفًا، وأصْدَقَهم لهجةً)