‏رسالة إلى أهلنا غزَّة

بقلم المهندس/ محمد صلاح

‏رسالة إلى أهلنا غزَّة

‏أعرف أن القلم مهما تطاول في قامته فلن يصل إلى كعب البندقية، وأن الحبر مهما قال بلاغةً فسيبدو ركيكا في حضرة الدم! ولكنها كلمات جاشتْ في صدري فأردتُ أن أكتبها، وقد قال غسّان قبلي: إن كل كلامنا هو تعويض صفيق لغياب البندقية!
يا أهلنا في غزة…

فى البداية إعتذار
يا أهلنا في غزة..
اعتذارنا إليكم نابع عن إحساس عميق بالتقصير في حقكم؛ أن تستمر حياتنا على ما هي عليه وأنتم فيما أنتم فيه، نأكل ونشرب وننام ونلهو ونلعب ونضحك ونشاهد الشاشات -ونحن نفعل كل ذلك- تقصير،

نعتذر لأننا أمة خاضعة مقهورة، باعت الدين بالدنيا وارتضينا العاجلة على الآجلة، وها أنتم يا سادتنا ترون العالم كله مدى صمودكم وثباتكم وصبركم.

نعتذر إليكم لأننا لم نكن في مستوى المرحلة، ونستسمحكم أننا لم نرق إلى ما تستوجبه اللحظة. نعم، وقفنا وصدحنا واحتججنا وقاطعنا ودعونا وبكينا، ولكن نعلم جميعا أن كل ذلك أقل مما كان ينبغي.
كنتم تستحقون بشرا غيرنا، أكثر إيمانا، وأقوى شكيمة، وأشد بأسا، وأرصّ صفا، وألصق بقضيتهم. ولكننا قدركم كما أنتم قدرنا الجميل، فاقبلوا عذرنا أيها الكرام، وغضوا الطرف يا شعب الجبارين، وتجاوزوا عن التقصير يا أحب شعوب الأمة إلى الأمة، واصبروا حتى نرشد كما رشدتكم ونشب كما شببتم ونقوى كما قويتم، واقبلوا منا قليل الضعيف العاجز حتى يستوي الزرع على سوق القوي القادر.

*‏يا تيجان الرؤوس:*

‏إنها المعركة الأولى في التاريخ التي تسبق نتيجتُها نهايتَها! فهنيئا لكم هذا النصر الذي لن يُغيّره توقيت نهاية المعركة! لقد أحدثتم في روح هذا الكيان شرخا لن يُرمَّمَ أبدا، ودققتُم في نعشه مسمارا لن يستطيع نزعه، وأعدتم إلى الأمة كلها روحا كانت قد فقدتها، فكأنها نفخة إسرافيل في الناس الميتة أن قوموا!.. ثمة مشاعر عِزَّة زرعتموها فينا أنتم لا تعلمون شيئا عنها، فالعصفور لا يعلم ما يُحدِثه صوتُه في قلوب سامعيه، والوردة لا تستطيع أن تشم شذاها.

*‏يا تيجان الرؤوس:*

‏إن الله تعالى لا يختار لأنقى معاركه إلا أنقى جنوده، وإننا والله نغبطكم على هذا الاصطفاء؛ وإن الله تعالى تأذَّن أن يبعث على أحفاد القردة عبادا له يسومونهم سوء العذاب، فكنتم عباده الذين اختارهم؛ وإن النبي ﷺ أخبرنا أن خير الرباط رباط عسقلان، وقد رأينا الكتائب تجتاحها!
‏يكفيكم والله شرفا أن تكونوا تفسير الآيات في المصحف، وموعود النبي ﷺ في كتب الحديث، فنتقوّى ونزداد إيمانا على إيماننا أن هذا الدين حقٌّ، وأنه لا غالب إلا الله، وأنتم أهله وصفوته، وإنكم لغالبون بإذنه.

*‏يا تيجان الرؤوس:*

‏نعلم أنكم نهاية المطاف بشر، وأن الحرب موجعة، والقصف أليم، والتهجير مضنٍ، وفقد الأحبة غربة! ولكن الله لا يضع ثمارا على غصن لا يستطع حملها، وإنه سبحانه يُكلِّف بالممكن لا بالمستحيل، وإن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون.. وقد مضت سُنَّة الله في الصراع بين الحقِ والباطل أنّه لا تمكين بلا امتحان، ولا أمنَ إلا ويسبقه فزع!

‏في غزوة الخندق بلغت قلوب الصحابة الحناجر؛ فالأحزاب من الخارج، واليهود والمنافقون من الداخل، وقد راهنوا جميعا أنها أيام الإسلام الأخيرة!. وبعد عشر سنوات من غزوة الخندق كان الصحابة يدكُّون إمبراطوريتي الروم والفرس!
‏وإنكم اليوم تُعبِّدون الطريق إلى المسجد الأقصى، فوالله ما هي إلا سنوات لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، إلا ونحن نصلي في المسجد الأقصى، محرَّرا بفضل الله ثم بفضل جهادكم وثباتكم!

*‏يا تيجان الرؤوس:*

‏لستم وحدكم، وإن بدا المشهد كذلك.. من ورائكم أُمّة تغلي، ومارد محبوس في قمقمه دبَّتْ فيه الروح، وأحيته مشاعر العِزّة وشوَّقته إلى زمن الفتوحات، ولَيُغيّرنَّ الله الحال إلى حال أخرى بإذنه وكرمه!
‏فإن خذلتكم الجيوش فقد أكبرتكم الشعوب، وإن لم تساندكم الطائرات فقد ظللتكم الدّعوات.
‏ثمّ ألستم الظاهرين على الحقِّ في بيت المقدس وأكنافه؟. ألستم الموعودين بالخذلان من قبل أن تُولَدوا، ولكنكم المبشَّرون بالثبات حتى يأتيكم أمر الله وأنتم كذلك؟!
‏طبتم، وطاب جهادُكم، وطاب سعيكم ، وطاب صبركم، وقبلاتي لأقدامكم قبل رؤوسكم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى