تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (726)
بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (726)
دروس من سرية عبد الرحمن بن عوف إلى دومة الجندل (2) .
في هذه السرية دروسا وإفادات عِدة منها (2):
5 – فائدتين من أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعبدالرحمن بن عوف بالزواج من ابنة أمير القبيلة .
الأولى : أظهر عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه – كما هو خُلق وعادة كل الصحابة رضي الله عنهم مع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وأوامره لهم – وهو سُرعة وحُسن الإمتثال لأمره – بغض النظر عن موافقة هذا الأمر لما يرونه أو لهواهم ، فهواهم ومُرادهم دائما وفق هَديه وسُنته الشريفه .
▪︎ فإن الزواج على وجه الخصوص لا يكون إلا برضا نفس واختيار ، وبالرغم من ذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم حتي في أخص خصوصياتهم – والزواج واحدة من هذه الخصوصيات – يلبون ويمتثلون مطيعين مختارين لأمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم واثقين بأن اختياره لهم أولى وأسعد وأصلح من اختيارهم لأنفسهم .
▪︎ وهذا ما يجب وينبغي ان يتأدب به المسلمين على مر العصور ، بأن أوامر الله تعالى ونواهيه وكذلك أوامر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ونواهيه للأمة فيها الصلاح والسعادة الدنيوية والأخروية .
الثاني : لأن مكان القبيلة متباعد عن مركز الإسلام – حينذاك – في المدينة المنورة ، أراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بعد غسلام هذه القبيلة ان يزيد من ترابطها بهذا المركز ، والنسب أحد أهم عوامل الرباط الاجتماعي وشدة توثيقه .
▪︎ وخاصةً حينما يكون الارتباط بين الفاتح – بإذن الله تعالى – لهذه القبيلة – وهو عبدالرحمن بن عوف وبين أميرها الأصبغ بن عمرو الكلبي – وهذا يكفي لرباط وارتباط كل القبيلة بالمسلمين بالمدينة .
6- بعضا من الوصايا النبوية الأخرى في هذه السرية :
عَنِ ابْنِ أَبِي مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، كنا مع ابن عمر بمنى فقَالَ: كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَهُ رَجُل مِنَ الْأَنْصَارِ فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ
الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: “أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا”، قَالَ: فَأَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَكْيَسُ؟ قَالَ: “أَكْثَرُهُمْ لِلْمَوْتِ ذِكْرًا، وَأَحْسَنُهُمْ لِمَا بَعْدَهُ اسْتِعْدَادًا أُولئكَ الْأَكْيَاسُ”
ثم قَالَ ابن عمر رضي الله عنهما : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ ( أي فلا خير. أو حل بكم من أنواع العذاب الذي يذكر بعده ) : لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ ( الزنا ) فِي قَوْمٍ قَطُّ، حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ( ويظهروها على الملأ ) ، إِلَّا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ ، وَالْأَوْجَاعُ ( تعبير عن الأمراض الخبيثة الفتّاكة ) الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمُ الَّذِينَ مَضَوْا ( لم تظهر الامراض المعاصرة الناتجة عن الزنا والفاحشة في الأمم السابقة ) ، وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ( يتلاعبوا بالموازين ويغشوا فيها ) ، إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ ( سلط الله عليهم القحط ) ، وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ ( بالابتلاءات العديدة ونقص الغذاء والفقر ) ، وَجَوْرِ السُّلْطَانِ ( وظلم الحكام ) عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ، إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ ( قطع الله عنهم المطر الذي يسقيهم ويسقي زراعاتهم ) مِنَ السَّمَاءِ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا ( وقد تنزل الأمطار لهؤلاء مانعين الزكاة رحمة بالضعفاء ومنهم الحيوانات ) ، وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ، وَعَهْدَ رَسُولِهِ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ، وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ ( يخالفوا شريعة الله التي انزلها لعباده ) ، إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ ( عدم وفاقهم وكثرة اختلافاتهم ) بَيْنَهُمْ ” صححه الألباني في الصحيحة وبعضه في صحيح الجامع والترغيب والترهيب (1)
7 – الدروس والعظات المستفادة :
تضمنَّت هذه التوجيهات النبوية بعضاً من الدروس والعظات المستفادة وهي:
– تحذير النَّبِيِّ صلى الله عليه واله وسلم أُمَّته من الوقوع في أسباب المهلكات الموجبة لعذاب الله عز وجل، واجتناب المحظورات”.
* بيان خشيته صلى الله عليه واله وسلم، ورفقه بأُمَّته وخوفه عليهم مِمَّا يهلكهم في الدُّنيا والآخرة”.
* بلاغة وقوَّة الخطاب التحذيري الذي وجَّهه المصطفى صلى الله عليه واله وسلم إلى أصحابه وأُمَّته مُحَذِّراً إياهم من المهلكات الخمس بأسلوب سنن الله الكونية التي لابدَّ من وقوعها إذا ما توفرت شروطها، وتهيأت أسبابها، فظهور الفاحشة والإعلان بها بين الناس مَدْعاة لظهور الأمراض الخطيرة، وانتشار الأوبئة المستعصية وغير المعروفة من قبل”.
* والغش في الكيل والوزن والنقص فيهما، عقوبته تكون بالجدب والغلاء وظلم السلطان”.
* وتعطيل الزكاة ومنعها يؤدي إلى منع سقوط الأمطار، وبالتالي الجفاف والجدب”.
* ونقض العهد والميثاق والخيانة والغدر، مدعاة لتسلُّط الأعداء واستبدادهم وظلمهم وغصبهم للحقوق”.
* وترك الحكم بكتاب الله والحكم بغيره من القوانين والأنظمة الوضعية، عقوبته وقوع الفتنة، وسفك الدماء، واشتعال الحرب الأهلية”.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك على سيدنا رسول الله واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
_______________
(1) اختلف في تصحيح وتضعيف هذا الحديث، وحسنّه في سنن ابن ماجة – والراجح أنّه حسن لغيره ، وقال البوصيري في زوائد ابن ماجه : هذا حديث صالح للعمل به ، وجاء في المطالب العالية : قال الألباني عن طريق حديث ابن عمر: فهذه الطرق كلها ضعيفة إلَّا طريق الحاكم فهو العمدة، وهي إن لم تزده قوة فلا توهنه. اهـ. وبالجملة فحديث بُريدة بمجموع هذه الطرق والشواهد صحيح، وكذا صححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1/ 169: 107).