تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (705)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (705)

بقلم : جمال متولى الجمل

الاحداث بعد غزوة الخندق وقريظة
قُدُومُ وَفْدِ أَشْجَعَ :
أشجع اسم قبيلة كبيرة من غطفان، وكانت هذه القبيلة أحد الأجنحة الأربعة التي قاتلت المسلمين في جيش الأحزاب(1).
وبعد نصر المسلمين في الأحزاب وقريظة : قَدِمَ عَلَى الرَّسُولِ – صلى اللَّه عليه واله وسلم- وَفْدٌ مِنْ أَشْجَعَ، وَكَانُوا مِائَةً عَلَى رَأْسِهِمْ: مَسْعُودُ بْنُ رُخَيْلَةَ فنَزَلُوا شِعْبَ (مكان بَيْنَ جَبَلَيْنِ) سَلْعٍ (جبَلٌ معروف بالمدينة)، فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-، وَأَمَرَ لَهُمْ بِأَحْمَالِ التَّمْرِ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ! لَا نَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ قَوْمِنَا أَقْرَبَ دَارًا مِنْكَ مِنَّا، وَلَا أَقَلَّ عَدَدًا، وَقَدْ ضِقْنَا بِحَرْبِكَ وَحَرْبِ قَوْمِكَ، فَجِئْنَا نُوَادِعُكَ ( يعيشون بسلام وإعلان انتهاء الحرب بينما ) ، فَوَادَعَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-، وَكتَبَ لَهُمْ بِذَلِكَ كِتَابًا .
ثُمَّ إِنَّهُمْ أَسْلَمُوا بَعْدَ ذَلِكَ وَبَايَعُوا رَسُولَ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم(2).

عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ الْأَشْجَعِيِّ -رضي اللَّه عنه- قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى اللَّه عليه واله وسلم- تِسْعَةً أَوْ ثَمَانِيَةً أَوْ سَبْعَةً، فَقَالَ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-: “أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ “.
وَكُنَّا حَدِيثَ عَهْدٍ بِبَيْعَةٍ، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! .
فَقَالَ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-: “أَلَا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللَّهِ؟ “.
قَالَ: فَبَسَطْنَا أَيْدِينَا وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! فَعَلَامَ نُبَايْعُكَ؟ .
قَالَ -صلى اللَّه عليه واله وسلم-: “عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ، وَتُطْيعُوا، وَأَسَرَّ كلِمَةً خَفِيَّةً، وَلَا تَسْأَلُوا النَّاسَ شَيْئًا “، قَالَ عَوْفٌ: فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أُولَئِكَ النَّفَرِ يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ” .صحيح مسلم .

شرح الحديث:
(عَنْ أَبِي مُسْلِم) عبد الله بن ثُوَب، وقيل غيره (الْخَوْلَانِيِّ) – نسبة إلى خَوْلان قبيلة نَزَلَتِ الشام، أنه (قَالَ: حَدَّثَنِي الْحَبِيبُ الْأَمِينُ) ؛ أي: المحبوب المأمون، قال أبو مسلم رحمه الله: (أمَّا هُوَ) أي الشخص الموصوف بأنه الحبيب الأمين (فَحَبِيبٌ إِلَيَّ) أي محبوب عندي (وَأمَّا هُوَ عِنْدِي فَأَمِينٌ) أي مأمون في دينه، وأمانته، وقوله: (عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ) بيان له (الْأَشْجَعِيُّ) نسبة إلى أشجع بن ريث بن غَطَفَان بن سعد بن قيس عَيْلان، قبيلة مشهورة، قاله في “اللباب” .
وقول: (قَالَ) “الحبيب” (كُنَّا عِنْدَ رَسُول اللهِ -صلى الله عليه واله وسلم- تِسْعَةً، أَوْ ثَمَانِيَةً، أَوْ سَبْعَة، فَقَالَ: “ألا تُبَايِعونَ) “ألا” هنا للعرض والتحضيض ( من الحثِّ والحضِ ) ، ومعناهما طلب الشيء، نحو: {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ}النور: 22، {أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ} التوبة: 13. قاله ابن هشام الأنصاريّ رحمه الله .
ففيه الحثّ على مبايعة النبيّ -صلى الله عليه واله وسلم-.
وإنما قال: “رسول الله” ولم يقل “تبايعوني” تنبيهًا على أن العلة الباعثة على المبايعة هي الرسالة.
(وَكُنَا حَدِيثَ عَهْدٍ ببَيْعَةٍ) أي قريب زمن بمبايعته -صلى الله عليه واله وسلم- (فَقُلْنَا : قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: “ألا تُبايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ “، فَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ قَالَ: “ألا تُبَايِعُونَ رَسُولَ اللهِ؟ “) يعني أنه -صلى الله عليه واله وسلم- كرّر عليهم عرض المبايعة تأكيدًا (قَالَ) عوف -رضي الله عنه- (فَبَسَطْنَا أَيْدِيَنَا) أي للمبايعة له -صلى الله عليه واله وسلم-؛ امتثالًا لأمره (وَقُلْنَا: قَدْ بَايَعْنَاكَ يَا رَسُولَ اللهِ) وإنما قالوا ذلك أرادوا أن يستوضحوا ما هي البيعة المطلوبة منهم الآن ؟ كما يدل عليه .
قولهم (فَعَلَامَ نُبَايِعُكَ؟) أي على أيّ شيء نبايعك الآن ؟ ، فـ “ما” استفهاميّة حُذفت ألفها؛ لدخول حرف الجرّ عليها، كما قال في “الخلاصة”: وَ “مَا” اسْتِفْهَامِ .
(قَالَ) -صلى الله عليه واله وسلم- (“عَلَى أَنْ تَعْبُدُوا اللهَ) متعلق : أي تبايعوني على عبادة الله تعالى؛ أي طاعته (وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) يَحْتَمِل أن يكون “شيئًا” مفعولًا به؛ أي لا تشركوا به شيئًا من الأشياء من غير فرق بين حيّ وميت وجَماد وحيوان، وَيحْتَمِل أن يكون مفعولًا مطلقًا؛ أي لا تشركوا به شيئًا من الشرك الأكبر، والأصغر، والجليّ، والخَفِيّ . (وَالصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ) (وَتُطِيعُوا) وفي رواية أبي داود: “وتسمعوا، وتطيعوا”؛ أي تسمعوا، وتطيعوا أمر وُلاة الأمور الذين ولاهم الله تعالى عليكم إذا أمروكم بغير معصية الله تعالى (وَأَسَرَّ) من الإسرار.

أي أخفى النبيّ -صلى الله عليه واله وسلم- (كَلِمَةً خَفِيَّةً) أي لم يجهر بها كما جهر بما تقدم، ثم فسّر الكلمة الخفية بقوله : (وَلَا تَسْأَلوا النَّاسَ شَيْئًا”) و هي عدم سؤال الناس شيئًا (با الاستغناء عن الناس ).
والمراد بالسؤال: السؤال المتعلق بالأمور الدنيوية، فلا يتناول السؤال للعلم وأمور الدين، لقوله تعالى:{فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}النحل: 43.
وقال في “المنهل”: والحكمة في إسرار النهي عن السؤال أن يختص به بعضهم دون بعض؛ لأنَّ مِنَ الناس مَنْ لا بُدَّ له من السؤال لحاجته، ومنهم الغني عنه بماله، أو بالتعفف.
(فَلَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أولَئِكَ النَّفَرِ، يَسْقُطُ سَوْطُ أَحَدِهِمْ، فَمَا يَسْأَلُ أَحَدًا يُنَاوِلُهُ إِيَّاهُ) قال النوويّ رحمه الله : فيه التمسك بالعموم؛ لأنهم نُهُوا عن السؤال، فحَمَلُوه على عمومه، وفيه الحثّ على التّنَزُّه عن جميع ما يُسَمَّى سؤالًا، وإن كان حقيرًا ( صغيراً او بسيطا) .

في فوائد الحديث :
1- ( المبايعة من فئة أو جماعة أو عموم الناس هي للإمام الشرعي أو الدستوري ( في الوقت المعاصر ) وليس هناك مبايعة شرعية أو دستورية منصوص عليها بين فئة أو جماعة أو جمعية أو حزب وقائد أو رئيس أو زعيم هذه الفئة أو الجماعة سواء كما يحدث في بعض الجماعات الاسلامية أو الطرق الصوفية تحت مسمي العهد – فإن ذلك كله ابتداع في دين الله تعالى ومظهر من مظاهر التحزب المزموم )
2 – (منها): بيان التحذير عن مسألة الناس، والتنفير عنه، ولو يسيرًا .
( وأن المسألة فيها من الورع واستحباب الاستغناء عن الناس في كل شيئ يمكن للإنسان أن يستغني عنه – ولكن في المقابل فإن المؤمنين والمؤمنات أولياء بعضهم البعض ويتعاونوا على خيري الدين والدنيا )
3 – (ومنها): مشروعيّة تكرار مبايعة الإمام؛ تأكيدًا.
4 – (ومنها): مشروعية المبايعة على عبادة الله تعالى، وعدم الإشراك به.
5 – (ومنها): مشروعيّة المبايعة على أداء الصلوات الخمس.
6 – (ومنها): وجوب طاعة ولاة الأمور، إلا إذا أمروا بالمعصية، فلا طاعة لهم؛ لما أخرجه الشيخان عن ابن عمر -رضي الله عنهما-، عن النبيّ -صلى الله عليه واله وسلم – أنه قال: “على المرء المسلم السمع والطاعة، فيما أحب وكَرِهَ، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة”.
(وهنا أيضاً وشرعاً الأمر ليس على إطلاقه كما كان في العصر الإول للإسلام إذ ان العلاقة بين الحاكم والمحكوم اليوم مبنية على العقد الاجتماعي الذي ارتضياه الطرفين – وهو الدستور – فالتوقف في الطاعة بحسب هذا العقد ليس على أمر ولى الأمر بالمعصية فقط ، ولكن أيضاً على ما يقبله ويرتضيه عامة الشعب – فإذا رفض الأمر عامة الشعب فلا يكون حينئذ خرج عن طاعة الإمام- شريطة أن يكون الرفض من العامة وليس من فئة أو جماعة أو حزب بعينه – ورأي عامة المواطنين هو الملزم لولى الأمر وليس العكس – ويعبر عن العامة الآن المجالس النيابية المنتخبة انتخابا حُراً نزيهاً وكذلك الدستور المقصود في الأمة الدستور ذو المرجعية الإسلامية لإصدار الأوامر والقوانين . ) .
7 – (ومنها): بيانُ ما كان عليه النبيّ -صلى الله عليه واله وسلم- من شدّة الحرص على نشر الدعوة، وتبليغ الأحكام كُلَّمَا وَجَدَ إلى ذلك سبيلًا.
8 – (ومنها): مشروعية التعاهد على البر والتقوى.
9 – (ومنها): أن فيه الأخذَ بالعموم ( من الناحية الشرعية ) ؛ لأنهم نُهُوا عن السؤال، فحملوه على العموم(3).

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) موسوعة الغزوات الكبرى – من معارك الإسلام الفاصلة – محمد أحمد باشميل – رحمه الله تعالى
(2) اللؤلؤ المكنون في سيرة النبي المأمون – نقلاً عن الطبَّقَات الكُبْرى لابن سعد.
(3) البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الامام مسلم بن الحجاج – بتصرف

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى