تحرير سوريا بين الفرح والقلق (2)
القلقين من هيئة تحرير الشام
تحرير سوريا بين الفرح والقلق (2)
بقلم : جمال متولى الجمل
الكثير قلقون من هيئة التحرير الشام – بسبب الخلفية التي أتت منها ، ومما لاشك فيه أن هذا القلق مشروع ، سواء القلق على مستقبل سوريا عموماً ، أو القلق من ادبيات الهيئة في مراحلها الأولى .
ودع عنك أولئك الذين في حلوقهم غُصة وقلوبهم سواد من كل ماهو إسلامي وطني وأسري أنظمة الديكتاتورية العتيقة .
هيئة تحرير الشام – الجماعة التي حررت دمشق – وغالب المُدن السورية من تحت أنياب وطغيان المخلوع الأسد وعائلته ، كانت بعد اندلاع الثورة السورية في 2011 وعزد تكوين المعارضة المسلحة ( والتي دفع لها طغيان بشار وجيشه ) جزء من جبهة النصُرة وبالتالي جزء من تنظيم القاعدة حتي عام 2016 – 2017 ، وكانت قبل ذلك الوقت ذات رؤية واستراتيجية دولية تحت ما يسمي بالجهاد العالمي .
وهذا لاحق واحد من أهم اسباب قلق الكثير من المخلصين ديناً وعروبة.
ولكن وبحسب غالب الدراسات والخبراء ، في التاريخ المذكور بدأت الهيئة بقيادة احمد الشرع – أبو محمد الجولاني – ان تزداد رُشداً ، ووعياً وتدرك أن التمدد بالعمل أو الجهاد خارج سوريا ( في وقتنا المعاصر ) ، لا يُقدم منفعة أو تقدم عملى للإسلام ولا للأوطان ، بل على العكس من ذلك .
وقد تعلمت الدرس من تنظيم القاعدة ، وأنفصلت تماما تنظيمياً وفكرياً عنه ، بعد ان كانت جزء منه .
وتحول احمد الشرع للتركيز على قضيته العادلة الحقة ، وهي تحرير سوريا من ربِقة طغيان بشار الأسد وعائلته وحزب البعث العفلقي .
تكونت هيئة تحرير الشام حينذاك من خمس جماعات مسلحة هي جبهة فتح الشام وحركة نور الدين الزنكي ولواء الحق وجبهة أنصار الدين وجيش السنة، بيد أن الكيان سرعان ما شهد انشقاق فصائله عن بعضها، لتبقى هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني نفسه ، ( وسيكون لنا حديث اخر للتعريف بأغلب وأهم الفصائل المعارضة السورية ) .
نجحت هيئة تحرير الشام في السيطرة على معظم مناطق محافظة إدلب شمال غرب البلاد، وادارتها من خلال جبهة إدارية أطلقت عليها اسم “حكومة الإنقاذ السورية”، أما هدف الهيئة العام .
وجعلت من إدلب نقطة انطلاقها لتحقيق هدفها وهو كما سبق وذكرنا تحرير سوريا من الأسد وحزبه وعائلته .
ومع هيمنة الهيئة على أغلب محافظة إدلب ومناطق من الساحل والمناطق الشمالية المحاذية لإدلب، وهذه المناطق يسكنها أكثر من ثلاثة ملايين نسمة، هي ايضاً متلاصقة بالحدود التركية .
ولطالما كانت العلاقة بين تركيا وهيئة تحرير الشام جيدة، واحتضنتها تركيا وكانت الداعم الرئيس لها واستعانت تركيا بالهيئة في ضبط انفلات فصائل المعارضة السورية الموالية لها.
وبحسب خبراء فإن هيئة تحرير الشام لم يكن بمقدورها السيطرة على مساحات شاسعة في مناطق إدلب بسوريا، لولا هذا الدعم التركي (1).
هذه حقيقة لا يمكن اخفائها او نكرانها ، وهي حقيقة أيضا لا تعيب الهيئة !!
وبالطبع سيبدو سؤالاً هاماً :
هل لا يعيب المعارضة – ان تتلقي دعماً من خارج وطنها وشعبها ؟
– الإجابة : المعارضة السياسية – لا يجوز لها بالطبع وبداهةً تلقي أي اعانة من أي نوع من دول خارجية ولو كانت متحالفة مع أوطانها وإلا لكانت اداة من ادوات الأجنبي في وطنها.
ولكن المعارضة في سوريا كما سبق وذكرنا تحولت من معارضة سياسية إلى معارضة مسلحة (مشروعة ) ، لسببين :
أولاً : النظام البائد هو الذي دفعها للتسلح لتعامله معها معاملة المحتل الغاصب ، ولم يلتزم لا بدستور ولا قانون ولا عُرف فضلاً عن انخلاعه من أي شرع سماوي .
ولم يعترف منذ اندلاع الثوره ضده أن في بلاده معارضة مطلقاً ، وادعي مبدئياً ان المعارضة كل المعارضة ماهي إلا مجموعات إرهابية ومتطرفة مدعومة من الخارج ، بالرغم من خروجها من قلب السوريون حينذاك .
ثانياً : النظام البائد أيضاً استعان ابتداءً بتكريس الطائفية ، واستدعي إيران واذرعها في المنطقة للتعامل الخشن مع المعارضين .
ثالثاً : اعترفت الجامعة العربية – بتمثيل بعض المعارضين لسوريا ، وإخلاء مقعد سوريا من النظام البائد .
مما يعني أن المعارضة السياسية وادبياتها قضي عليها النظام نفسه.
و يعني رفع اللوم عن الهيئة ، وان مسائلتها عن تبعيتها تبدأ من توليها لزمام أمر سوريا ، وطريقة إدارتها في المرحلة القادمة .
(وليس معني كلامنا هذا الموافقة على سياسة تركيا عموماً الخارجية ولا حتي الداخلية ، إذ لدي تركيا مشروعها الخاص الذي لا ينبغي التسليم له) .
ولكن مما هو معروف أن السياسة لا يمتنع فيها ما يحقق المصالح المشروعة حتي وان اختلفت النُظم السياسية .
ومن هنا نقول : أن طول التفكير فيما حدث قبل التحرير مباشرة ، وكثرة التأويلات والتسويق لتسهيل أمريكا لعملية التحرير ، فقد راي الجميع الاجتماعات المكثفة في قطر ، من اجل تحييد روسيا وإيران وبالطبع الكيان الصهيوني الذي منحهم المخلوع الطاغية بشار مشروعية احتلال ونهب سوريا عياناً بياناً .
ولا يعلم أحد خارج الدول التي اجتمعت ما تم الاتفاق عليه ، والتفاهم حوله ، سوي ما ظهر للعالم من تقدم مُذهل لقوات المعارضة بقيادة هيئة تحرير الشام ، وانزواء ما أُطلق عليه الجيش العربي السوري ، الذي انحرف عن مبدأ وقيمة أن الجيوش ملك للشعوب ودرعها الحامي وليست ملك للأنظمة وخاصة الطغاة منها ، وفرّ هارباً ، ( وخيراً فعل ) في لحظاته الأخيرة ، وهو في هذه اللحظة لم يتخلى عن واجبه المقدس كما يصوره الموترون ، بل تخلى عن ولائه الحرام للطاغية وعائلته .
ونؤكد أن أول أسباب الاطمئنان على سوريا هو أن لا يكون لأيٍ من داعمي هيئة تحرير الشام سُلطاناً على سوريا ، بأي شكل ، وإلا سيكون تم استبدال قوي خارجية بقوي اخري ، ودائما التدخل الخارجي في الأوطان مهما بَدي مُخلصاً فهو في النهاية يسعي لمشروعه الخاص وعينه على مصالحه في المقام الأول وليس مصالح غيره .
ثم الخطوات العملية والخطاب الرصين المطمئن من احمد الشرع ، باعث على الاطمئنان والامل ، وظاهر الرشادة والحصافة ، والذي جعله مقبولاً من غالب الشعب السوري ، وهذا هو القبول الأهم .
• فحتي الان لم نسمع ولم نري منه ما يبعث عن القلق ، أو يثير التخوّف ، أو يدلل على تبنيه لأفكار شاذة أو متطرفة وكلنا رجاء أن يستمر على ذلك .
• فبالمصطلح السياسي ، لم نري احمد الشرع الراديكالي ( إن صحت التسمية ) ورأينا احمد الشرع السياسي .
• كونه بدء بالعفو عن جميع منتسبي النظام إلا من تلطخت يدهم بدماء الشعب ، أو ارتكبوا التجاوزات في حقه، فإن ما مرّ به الشعب السوري على يد زُمرة المخلوع بشار ، لم يمر به في المنطقة حالياً إلا الشعب المجاهد الفلسطيني من قوي الاحتلال الصهيوني الغاصب .
• كونه لم يتعامل بخلاف المواطنة مع الطائفة العلوية ( طائفة عائلة الأسد ) وكذلك زارت بهدوء قواته مناطق الطائفة الإسماعيلية ( وهما من أشد الطوائف شذوذاً مع الدروز ) .
• ثم خطابه بأن سوريا لكل السوريين ، وذكر صراحةً أن طوائف سوريا شاركت في التحرير وإسقاط النظام وخص منها النصاري والدروز .
• ثم أمره لقواته بعدم استخدام العنف ولا اطلاق النار ضد الشعب – فهذا مبدأ – يعني عدم المحاسبة إلا في اطار العدالة .
• وتأكيده على ان سوريا للسوريين دون تمييز وان الحكم فيها لن يكون لفئة ، وأن الأولوية للبناء ، ووضع الدستور بواسطة الخبراء والقانونيين والوعد بالانتخابات .
• ثم تكليفه لحكومة تسيير أعمال تكنوقراط حتي مارس 2025 – مما يؤشر إلى عدم إطالة امد الفترة الانتقالية والعزم على انجاز هذه المرحلة في أقصر وقت .
• ولا يُضير ذلك استعانته برئيس حكومة الإنقاذ في إدلب ، فمن الطبيعي ذلك وخاصة انه استعان برئيس الةزراء السابق في تسليمه الملفات ودولاب العمل .
• وترديده أن النظام الجديد في سوريا لن يمثل تهديدا للمحيط الجغرافي وخاصة دول الجوار ، أيضا عامل اطمئنان أيضا .
• طبعاً كل ذلك ينتظر التطبيق العملي على المدي والمنظور البعيد لكن في نفس الوقت يجب أن نصم آذاننا عن ترهيب وتحريض متطرفي العلمانية ، والقومية الصارخين على كل ما هو إسلامي مهما كان معتدلاً ، فهؤلاء يعتبرون الأوطان ملك لكل المواطنين ولو كانوا من عبدة الفئران في أوطاننا العربية إلا الإسلاميين ، فضلاً عن كونهم خدم لكل ديكتاتورية تحارب الإسلام كشريعة غراء وسطية ، ويرضون بالإسلام الذي تدرسه جامعة تل أبيب الإسلامية والذي تديره المخابرات الصهيونية وفقط