الجندي المجهول ف أمة الإسلام

بفلم المهندس / محمد صلاح

الجندي المجهول ف أمة الإسلام
النجاشي ( أصحمة بن أبجر)
اخرجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم
رسول الله صل الله عليه وسلم

أرجوا أن تتأمل معي هذه القصة العجيبة ، ملك نصراني من ملوك أفريقيا الكنيسة الإسكندرية بالتحديد، هذا الملك يسلم ويؤمن بنبي عربي لم يره في حياته البتة، فيأتيه رجل عربي كافر من نفس مدينة ذلك النبي ليزوره، وغرضه من تلـك الزيارة
هو محاربة ذلك النبي وأصحابه، ليسلم ذلك الرجل ليس على يدي النبي الذي كان يراه ليل نهار في مدينته وإنما على يدي ذلك الملك الأفريقي الذي لم ير النبي أصلا!!!
ثم يتحول هذا الرجل العربي إلى بطل من أبطال الإسلام، فيقوم بعد ذلك بإدخال الإسلام
إلى مدينة الإسكندرية التي كان يتبع كنيستها ذلك الملك نفسه قبل أن يسلم !!! أما ذلـك
النبي فهو محمد صل الله عليه وسلم، وأما ذلك الرجل العربي فهو عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وأما ذلك الملك الأفريقي المسلم فهو أصحمة بن أبجر (نجاشي الحبـشة) جزاه
الله كل خير.
وإذا كنت قد استغربت من هذا الترتيب الإلهي العجيب فتأمل معي ترتيبا آخر أعجب منه بكثير، والذي يستشعر المرء من خلاله يد الله التي هيأت الظروف لنبيه المصطفى حتى قبل ولادته، فهناك بعيدا عن مكة وصحراء العرب، في أدغال مملكة الحبشة (أثيوبيا وأريتريا وشمال الصومال حاليا) وفي إحدى الليالي المظلمة، قتل بعض
المتآمرين (أبجر) نجاشي الحبشة (النجاشي لقب يطلق على كل ملك يحكم الحبشة!)،
ثم جعل أولئك المتآمرون ملكا آخر على الحبشة، وباعوا ابن الملك المقتول لأحد تجار الرقيق، وفي ليلة من الليالي الممطرة خرج الملك الجديد خارج قصره، وبشكل عجيب غريب، نزلت صاعقة من السماء وهو بين جنوده فأصابته من دونهم، فوقع قتيلا في التو واللحظة، فسادت الفوضى بلاد الحبشة، فعلموا أنها لعنة حلت عليهم من الله،
فبحثوا عن ابن الملك الأول ليعيدوه للحكم، فعرفوا أنه في متن سفينة مبحرة إلى بـلاد العرب حيث سيباع هناك عبدا، فأدركوا السفينة قبل رحيلها، ليجدوا ابن الملك قبل أن
يبحر إلى بلاد العرب لكي يباع هناك عبدا، فقاموا بتحريره ومن ثم اجلسوه على عرش أبيه الذي اغتصبوه من قبل،
هذا الغلام كان يسمى (أصحمة بن أبجر) وهو نفس الملك
الذي اشتهر لدى المسلمين باسم النجاشي! وربما يكون هذا الظلم الذي وقع للنجاشي في طفولته هو سبب مقته للظلم، لذلك اشتهر النجاشي بعدله بـين الناس، الأمر الذي دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه بالهجرة إلى الحبشة بعد أن اشتد إيذاء المشركين لهم،
إلى ملك لا يظلم عنده أحد كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم.
عندها بعثت قريش (عمرو ابن
العاص) الذي كان صديقا قديما للنجاشي لكي يستردهم، ولكن المفاجأة حدثت عندما
قذف الله الإيمان في قلب النجاشي، ليخفي النجاشي إسلامه عن قومه، لـيس خوفا على الكرسي، إنما خوقا من أن يفتك النصارى باللاجئين المسلمين الذين كانوا يمثلون
تقريبا نصف عدد المسلمين على وجه الكرة الأرضية، فقد بعثهم الرسول صلى الله عليه وسلم خصيصا للحبشة وأبقاهم بها 15 سنة لكي يحملوا رسالة الإسلام للبشر في حالـة إذا ما قتل
المشركون رسول الله وصحابته الكرام، فيكون هناك من يحمل راية الإسلام في الأرض
إذا ما أصابهم مكروه.
هذا التخطيط الإستراتيجي طويل المدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أدركه تمام الإدراك.
فكان من الضروري على النجاشي أن يكتم إسلامه حرصاً على استمرارية الـدعوة، فلقد رأى النجاشي من بطارقة النصارى حنقهم بهذا الـدين الـذي يدعو إلى وحدانية الله وترك عبادة المسيح، فخشي أن يثوروا عليه ويعزلوه (كما فعلوا
مع أبيه من قبل!)،
فيضيع بذلك حليف قوي لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان بإمكانه دعـم الدولة الإسلامية الناشئة، بل في أسوأ الأحوال، يمكن له استضافة رسول الله إذا ما اقتضت الحاجة، في حالة انهيار دولة المدينة.
هذه الأسباب جعلت لقب (الجندي المجهول في أمة الإسلام) علـى النجاشي (أصحمة ابن أبجر)، الملك الأفريقي الـذي لا يعرف أغلبنا أصلا أنه مسلم،
ليبقى النجاشي مرابطا في الحبشة بعيدا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وبعد سنوات من النصرة السرية للمسلمين مات النجاشي رحمه الله قبل أن يكحل عينيه برؤية الرجل الذي آمن به وصدقه من دون أن يراه، ليعلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بخبر موته
وهو في المدينة قبل أن يجمع الصحابة ليصلي عليه صلاة الغائب، لتنتهي بذلك قصة
أول ملك من ملوك الأرض يؤمن برسالة محمد صلى الله عليه وسلم، قصة أول ناصر لهـذاالـدين من ملوك الأرض!
المفارقة العجيبة في قصة هذا العظيم الإسلامي، أن النجاشي رحمه الله كان التابعي الوحيد الذي أسلم على يديه أحد الصحابة وهو عمرو بن العاص!
رضى الله عن (أصحمة ابن أبجر)، وجزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى