تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (720)
بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (720)
الاحداث بعد غزوة الخندق وقريظة
إســـــــــلام عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ – رضي الله عنه – (5)
دروس من إســـــــــلام عمرو بن العاص رضي الله عنه (3)
▪︎ الذكــــــاء المُشـــــوَّش :
انتقال عمرو بن العاص رضي الله عنه من مكة إلى الحبشة ، مع كونه مازال حتي حينئذ على الكفر ، والعلاقة بينه وبين قادة وزعماء قريش علاقة طبيعية !!
ولكنه مع ذلك هاجر بعد أن استشرف مستقبل الإسلام وانه يَقوَي ويتوسع وينتصر ليس على قريش فقط بل على كافة قبائل وتجمعات العرب ، وقريش التي كانت تقود القبائل العربية وتتزعمهم بدأت في الانحسار والانكماش ، وتلقت هزائم جسيمة.
وهذا ولا شك من الذكاء – أن ينتقل من البيئة المهزومة والمنكسرة ، وكونه يري أن الإســـــلام يزداد انتشاراً واتساعاً ، وخاصة ان عدد المسلمين في المدينة ايضا في ازدياد دائم ، وفي المواجهة في غزوة الأحزاب ظهر قوتهم وخططهم بما لم يظهر منهم من ذي قبل ، كان ذلك علامات لم يتجاهلها عمرو بن العاص .
ولكن ذكاء عمرو بن العاص ظل منقوصاً ومشوشاً حتي هذه اللحظة .
لأنه لو كان – حينئذٍ – ذا ذكاء مستقيم تماما ، لكانت هجرته مباشرة للإسلام ، بأن هاجر إلى المدينة والتقي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم وخاصة أنّ من أسباب هجرته بل اهم أسبابها – ظهور الإسلام وانكسار الشرك وأهله .
وقد تصور عمرو بن العاص أنّ هجرته للحبشة وسكنته فيها سبيل النجاة لنفسه واستمرارا لتعزيز ذاته .. وهذا هو عين الخُسران ، وانحراف الذكاء .
( طبعا الكلام الأخير موجه لمن يعتمد على ذكائه كل الاعتماد دون الاعتماد على مسبب الأسباب رب العالمين فضلاً عن من يتصور ، أن النجاة وتعزيز الكرامة في غير الإيمان والاستقامة على أمر الإسلام – مثلما كان تفكير ابن نبي الله نوح ، فحينما جاء الطوفان ضلله تفكيره وذكائه – مجازاً – أن صعوده لقمة الجبل سينجيه { قَالَ سَآوِي إِلَىٰ جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ ۚ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَن رَّحِمَ ۚ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} )
وهذا المقصود بقوله تعالى ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْنًا * ذَلِكَ جَزَاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِمَا كَفَرُوا وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَرُسُلِي هُزُوًا ﴾ الكهف: 103 – 106، وهذا فِعْلُ عمرو بن العاص قبل إسلامه، ومن سعى سعيه أو نحا نحوَه.
▪︎ لا تُستَمالُ ولا تُشتري ذِمَمُ أهل العـدل والمرؤة :
ظنَّ عمرو بن العاص أن هداياه إلى النجاشي سوف تلوِّح بوجهه عن حقٍّ، أو تَثنيه عن عدل، ( وخاصةً أنّ عمرو بن العاص جمع الهدايا التي يُحبها النجاشي والتي تليق به كملك )
وهذا ما يُوقِع الجُهلاء في شر أعمالهم، وحين يرتكنون إلى جرفٍ هارٍ، يفرحون باجتماع، ويُفتنون بالتفاف ( أو التجمع حولهم بالعدد أو نوعية الاشخاص) ، ( حينما يجهل الجُهلاء معادن وأقدار الرجال خصوصاً والناس عموماً ) .
( هؤلاء الجهلاء حينما تغيب عنهم هذه المعاني ، يتخبطون ويتيهون في معاملة اصحاب القيّم والمعادن )
وقد رأينا ذلك ، حينما طلب عمرو بن العاص من النجاشي أن يسلمه رسول رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ليقتله من أجل ان يكسب نقطه جديده لدي المشركين بعد هجرته منهم الفى الحبشة ، كيف كان الغضب والرفض من النجاشي والذي اظهر ان طلب عمرو فيه من التجاوز ما فيه .
▪︎ الأثر الإيجابي للعلاج بالصدمة:
كثيرًا ما يكون المرء بحاجة إلى من يوقظه من غفلة؛ ليعاود التفكير الإيجابي، ومن بَعْدِ غَرَقٍ في غياهب ظلمات، بعضها فوق بعض، كان يحسبها يومًا نورًا مبينًا، وهدًى أرشدَ، وهذا الذي حدث يوم كان علاج النجاشي لعمرو بن العاص بالصدمة أو بالصعقة، وحين كان هذا سببًا إيجابيًّا، ليعاود التفكير من جديد، وليأتي على بنيان كفره من أعلاه، ليهُدَّه هدًّا، وأمام صخرة حقٍّ، كان عنه غائبًا.
وكثيرًا ما يكون المرء بحاجة إلى من يرد إليه صوابه ، ومن بعد حسبانه هكذا أنه محسن صنعًا، وإذ به يستيقظ على سراب، كان يحسبه الظمآن ماء، حتى إذا جاءه لم يجده شيئًا، ووجد الله عنده فوفَّاه حسابه، وهذا الذي حدث مع عمرو بن العاص، وحين قطع المسافات الطويلة إلى النجاشي، ومحال أن يفعل فعله ذلك، إلا وكان يحمل بين جنبيه قناعة – ولو من طرف خفِيٍّ أو جَلِيٍّ – أنه على حق، وإذ به أصبح باطلًا، دكَّه إيقاظ النجاشي له دكًّا دكًّا.
قال النجاشي لعمرو بن العاص حين طلب منه أن يسلمه عمرو بن أمية الضمري ليقتله، ولأنه رسولُ رسولِ الله صلى الله عليه واله وسلم إليه : أتسألني أن أعطيَك رسولَ رجلٍ يأتيه الناموس الأكبر الذي كان يأتي موسى فتقتله؟
ليرد عمرو بن العاص: أيها الملك، أكذاك هو؟ وهذا تأكيد للعلاج بالصدمة .
▪︎ حكمة ذكر موسى دون عيسى عليهما السلام:
وهذه فطنة النجاشي – بحق – إذ ولماذا ذكر موسى عليه السلام، ولم يذكر عيسى عليه السلام، وهو على ملته، وليس على ملة موسى؟ والجواب: أن يهودَ كانت تقطن المدينة، وهم على مقربة من عمرو بن العاص، ولئن لم يكن عنده عنهم من ذلكم من خبر، فيمكنه البحث عن ذلك، ولن يُحرم الضالة، وحين يصدق ربه فيصدقه تعالى، وليأتيه الحق من بين يديه ومن خلفه، وكما كان الباطل معه كذلك.
▪︎ سَلْ به خبيرًا:
وفيه أن أهل الحكمة والخبرة والعلم لديهم من مكنونات العطاء ما ليس لدى غيرهم، وهذا ما يوجب البحث عنهم جدَّ البحث، وكيما لا يُسْلِمَ العبد نفسه لمن يضله، كما ضل نفسه أولًا عن سواء السبيل، وانظر كيف كانت عُصارة حكمة النجاشي، وحين سكبها على عمرو بن العاص ليفيق.
▪︎ يقظة من بعد غفلة:
حين أوقِظَ عمرو بن العاص من غفلة، أحاطت به إحاطة السِّوار بالْمِعْصَم، طلب من النجاشي أن يبايعه على الإسلام فبسط يده، فبايعه عليه .
* وفيى الحديث ما يؤكد أن النجاشي رضي الله عنه كان مسلمًا، ولأنه صلى الله عليه واله وسلم صلى عليه يوم نُعِيَ إليه.
* وفيه المسارعة إلى الخير؛ وعدم التباطئ فيه خشية عوارض الزمان وعوائقه ، فإنه لو كان عمرو قد أجَّل بيعته إلى حين عودته، فلربما كان قد حل به أجله، وحينها ﴿ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا ﴾ الأنعام: 158.
▪︎ فطنة عمرو بن العاص :
كتم عمرو بن العاص إسلامه عن أصحابه ( المشركين ) في الحبشة، وهذا تصرف حميد، فلعلهم كانوا قد غالبوه حتى فتنوه، أو لعلهم أغْرَوه حتى قتلوه.
▪︎ وهكذا المسلم يفطن لما يمكنه إذاعته واعلانه للناس وما ينبغي ان يحتفظ به ، وكلٌ بحسب المصلحة .
▪︎ أثر الجليس الصالح:
حين عاد عمرو بن العاص إلى المدينة ليُسْلِمَ على يدي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، قابل خالد بن الوليد، فأشار عليه بالإسلام، ولأنه دين الحق فتأكد اليقين، وزال الشك، وحل القبول، وأُميط أذى الطريق عنه؛ ( فأبصر الحق ) وتضاعف يقينه مرتين: الأولى على يدي نجاشي الحبشة، وهو جليسه وصديقه الأول الذي دفعه دفعاً لينظر في أمره، وبصرّه بأنه على الشرك ، وأن الإسلام دين الحق ورسوله صلى الله عليه واله وسلم رسول صدق .
• والثانية على يدي خالد بن الوليد
وجد الفرق هنا في الإعلان ، والسرية في الحبشة ، فلم يذكر عمرو لأصحابه المشركين خبر إسلامه – حيث قدّر – انهم ممكن يثبطونه أو يعيقونه عن الاستمرار في طريق وتحقيق هدفه الإيماني .
أما في الطريق وحينما التقي خالد بن الوليد أعلنا كلاهما رغبتهما في الإسلام دون تردد ، وفي ذلك ان الصديق يفرز اصدقاؤه ويميز بينهم فيما يجب أن يعرفوه عنه بحسب وعي وقيّم كل واحد منهم .
▪︎ اربِّتوا على صدور أهل المعاصي:
وهذا درس تأهيلي، يفيد الناس في معاملة أصحاب المعاصي والآثام، وأن يربِّت ( أهل الصلاح ) على صدورهم ؛ من رحمة، وأن يأخذوا على أيديهم؛ من شفقة، ولعل ذلكم يكون منارَ هدًى للحَيَارى، وسبيل صلاح للعاصين.
▪︎ التوحيد أولًا:
وفيه أن الإسلام أصل ومقدَّم على ما سواه، سببًا لمغفرة، أو قبولًا لتوبة، وأن فروع الشريعة إنما هي تبع لأصل أصولها، وهو الإسلام الذي هو الاستسلام لله بالتوحيد، والانقياد له بالطاعة، والبراءة من الشرك وأهله.
▪︎ فضل الهجرة في سبيل الله:
وفيه فضل الهجرة، ولأنها تشِي بحمل النفس على الانخلاع من جواذب الأرض والطين والتراب إلى جواذب الحق والإيمان والتقوى، وحين ( أقتضي الأمر هاجرت إلى الله وفي سبيل إقامة دينك) وليس إلى دنيا تصيبها أو امرأة تنكحها.
▪︎ فضل الحج في سبيل الله:
وفيه فضل الحج أنه كذلك يهدم ما قبله، وهذا كما روى أبو هريرة رضي الله عنه : سمعت النبي صلى الله عليه واله وسلم يقول: “من حَجَّ لله فلم يرفُثْ، ولم يفسُقْ، رجع كيوم ولدته أمه”
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة