نحن في علامات الساعه

بقلم د / ياسرجعفر

نحن في علامات الساعه

نعم نعيش في احداث الساعه ، كثير مانسمع من كثير من الناس والشيوخ يقولون ان علامات الساعه الكبرى علي الابواب واننا في علامات الساعه الصغري ، مع العلم اننا نعيش في احداث الساعه وننتظر خراب امريكا ( اليهوديه العالمية ) علي الابواب ودخولها في حرب عالمية لتدميرها وسقوط الطاغوت الاكبر في العالم وخراب الدول بالاعصارات والبراكين والزلازل والاسلحة الطبيعية ، من الله الخالق سبحانه ، ونحن نعيش في احداث الساعه وياحسرة علي العباد لاتأخذ الدروس من الاحداث التي نعيشها وتسارع الي التوبه الي الله ، ربما يسأل القارئ علامات الساعه لسه عنها كتير ، اقول له بالحديث النبوي الشريف نحن عايشين في احداث الساعه من سنوات وفي انتظارها ، ففي الحديث النبوي الشريف الذي رواه ابو هريره رضي الله عنه (*إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ*)
صحيح البخاري،
وفي روايه لابو هريرة رضي الله عنه(*بيْنَما النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في مَجْلِسٍ يُحَدِّثُ القَوْمَ، جَاءَهُ أعْرَابِيٌّ فَقالَ: مَتَى السَّاعَةُ؟ فَمَضَى رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُحَدِّثُ، فَقالَ بَعْضُ القَوْمِ: سَمِعَ ما قالَ فَكَرِهَ ما قالَ. وقالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ لَمْ يَسْمَعْ، حتَّى إذَا قَضَى حَدِيثَهُ قالَ: أيْنَ – أُرَاهُ – السَّائِلُ عَنِ السَّاعَةِ قالَ: هَا أنَا يا رَسولَ اللَّهِ، قالَ: فَإِذَا ضُيِّعَتِ الأمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ، قالَ: كيفَ إضَاعَتُهَا؟ قالَ: إذَا وُسِّدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ*) صحيح البخاري،
وهنا بين رسول الانسانيه صلي الله عليه وسلم اذا ضيعت الامانة فانتظر الساعه ، وبين المصطفي تضيع الامانة في عدم الشئ المناسب في المكان المناسب ، ( اذا وسد ، واسند) الي غير اهله ، وهذا الموضوع انتشر واستشري في كل مكان وفي جميع المصالح الحكومية والخاصة في جميع الوزارات اسند فيها الامر الي غير اهله ، وهذا معنى عظيماً يرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن كل شيء لا بد وأن يوضع في مكانه المناسب ، فلا يسند العمل ولا المنصب إلا لصاحبه الجدير به ، والأحق به من غيره ، دون محاباة لأحد ، وإلا فقد ضاعت الأمانة واقتربت الساعة . وضياع الأمانة دليل على ضياع الإيمان ونقص الدين ، قال صلى الله عليه وسلم : ” لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له ” [ حديث صحيح ، وإسناده جيد رواه الإمام أحمد والبيهقي ] . فالأمانة من الأخلاق الفاضلة وهي أصل من أصول الديانات ، وعملة نادرة في هذه الأزمنة ، وهي ضرورة للمجتمع الإنساني ، لا فرق فيها بين حاكم ومحكوم ، وصانع وتاجر ، وعامل وزارع ، ولا بين غني وفقير ، ولا كبير وصغير ، ولا معلم وتلميذ ، فهي شرف للجميع ، ورأس مال الإنسان ، وسر نجاحه ، ومفتاح كل تقدم ، وسبب لكل سعادة ، وليست الأمانة محصورة في مكانها الضيق الذي يعتقده كثير من الناس ، فالأمانة ليست مقصورة على أداء الودائع التي تؤمن عند الناس ، بل هي أشمل من ذلك بكثير ، فالصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من شعائر الدين أمانة ، من فرط في شيء منها أو أخل به فهو مفرط فيما ائتمنه عليه ربه تبارك وتعالى ، وتشمل الأمانة كذلك كل عضو من جسد الإنسان ، فاليد والرجل والفرج والبطن وغير ذلك أمانة عندك ، فلا تأتي الحرام من قبل ذلك ، وإلا أصبحت مفرطاً فيما ائتمنت عليه ، واحذر أن تكون هذه الجوارح شاهدة عليك يوم القيامة إن فرطت فيها ، يقول الحق تبارك وتعالى : ” يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ” ، فمن معاني الأمانة وضع كل شيء في مكانه اللائق به ، قال أبو ذر رضي الله عنه : رسول الله : ألا تستعملني ـ يعني ألا تجعلني والياً أو أميراً أو ريئساً لك على إحدى المدن ـ قال : فضرب بيده على منكبي ثم قال : ” *يا أبا ذر إنك ضعيف ، وإنها أمانة وإنها يوم القيامة خزي وندامة ، إلا من أخذها بحقها ، وأدى الذي عليه فيها* ” [ أخرجه مسلم ]
فكثير من الزوجين كانوا سببا في ضياع الامانه وكانوا سببا في دمار الاسرة والاولاد اصبحوا ضحية للزئاب والضباع البشرية التي تنهش في اجسادهم احياء وضيعوا الامانة بسبب اهوائهم ونفوسهم المريضه ، إن من أعظم الأمانة ، الأمانة التي أنيطت بالرئيس أو صاحب العمل : ويتمثل ذلك في حسن المعاملة مع من هم تحت إمرته وسلطته ، ومن هم تحت ولايته وكفالته ، ومن هم خدم عنده ، أو يعملون لديه ، وليتق الله تعالى في العدل بينهم دون محاباة لأحد دون الآخر ، فالمؤمنون اخوة ، ولا فرق بين أحد منهم إلا بالتقوى والعمل الصالح والإخلاص في عمله ، فيجب على المسؤول أن لا يمنع هذا من ترقية أو مكافئة أو دورة تدريبية ، أو إجازة استحقاقية ، بدافع الإضرار والتفريط في الأمانة ، ويحرم على صاحب العمل أن يؤخر رواتب العمال عن موعد استحقاقها ، لحديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ ، وَلَمْ يُوفِهِ أَجْرَهُ ” [ أخرجه البخاري وأحمد وابن ماجة واللفظ له ] ، وأخرج ابن ماجة بسند حسن عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ ، قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ ” ، فيحرم بخس الناس حقوقهم من أجل خلافات يمكن أن تزول وتذهب وتضمحل ، فالإنسان لا ينتقم لنفسه ، بقدر ما ينتقم ويتمعر وجهه إذ انتهكت محارم الله ، أو أخل موظف بعمله ، وقبل أن ينشأ الخلاف يجب أن يوجه المخطئ ، فربما كانت هناك شبهة أو أمراً فُهم خطاً وبالتالي يمكن أن نتجاوز تلك العقبة ، لا سيما بالكلمة الطيبة والمعاملة الحسنة ، والتوجيه السليم ، وعدم التوبيخ أو السرعة في اتخاذ القرارات مما قد ينتج عنه نتيجة عكسية غير متوقعة ، من ظلم وتعسف وسوء فهم ، ثم يصب كل ذلك في قالب التفريط في الأمانة

وإن مما يتعلق بأمانة المسؤول ، أمانة تولية المسؤولية لمن هو أهل لها من أهل الخير والصلاح والاستقامة ، ومن الناس المشهود لهم بحسن السيرة والإخلاص في العمل ، حتى تتهيأ فرص الإنتاج المثلى التي يستفيد منها الفرد والمجتمع ، وليحذر المسؤول أن يولي زمام الأمور لمن ليس بأهل لها إما محاباة لأحد ، أو لأجل حصول منفعة دنيوية ما تلبث أن تزول ثم يقاسي أتعابها وآلامها ، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام : ” ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لم يجهد لهم وينصح لهم إلا لم يدخل معهم الجنة ” ، وقال صلى الله عليه وسلم : ” من غشنا فليس منا ” [ أخرجهما مسلم في صحيحه ] ، فتلك الأعمال من خيانة المسلمين ، وهي من صفات اليهود والنصارى الحاقدين ، وليست والله من الإسلام في شيء ، فالإسلام دين النزاهة والأمانة ، قال تعالى : ” يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ” ، فأمانة المسؤول أمانة عظيمة ، لاختيار الأصلح لكل عمل ، دون مراعاة لأحد ، ولا محاباة لفرد من الأفراد ، ودون تقدير لشعور قريب أو صديق ، فلن يجادل عن المفرط أحد يوم القيامة ، بل سيقاسي ألوان العذاب بسبب تفريطه في الأمانة وتضييعه لها ، وسيكون جلساؤه خصماؤه ، وشهداء عليه ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ” وَيْلٌ لِلْأُمَرَاءِ ، وَيْلٌ لِلْعُرَفَاءِ ، وَيْلٌ لِلْأُمَنَاءِ ، لَيَتَمَنَّيَنَّ أَقْوَامٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَّ ذَوَائِبَهُمْ كَانَتْ مُعَلَّقَةً بِالثُّرَيَّا ، يَتَذَبْذَبُونَ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ، وَلَمْ يَكُونُوا عَمِلُوا عَلَى شَيْءٍ ” [ أخرجه أحمد بسند حسن ] ، وفي الحديث : ” أيما رجل استعمل رجلاً ـ يعني أمره وولاه ـ على عشرة أنفس علم أن في العشرة أفضل ممن استعمل ، فقد غش الله ورسوله ، وغش جماعة المسلمين ” ، والمتأمل في هذا الزمن ، والناظر في واقع المسلمين اليوم ، يجد أن كثيراً من الأعمال يتولاها أناس لا يصلون كفرة فجرة ، لا يخافون الله ولا يهابونه ، فكيف تسير سفينة الحياة مع تلك الفئة من الناس ، روى الحاكم من حديث أبي بكر الصديق قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ” من ولي من أمر المسلمين شيئاً فأمّر عليهم أحداً محاباة ، فعليه لعنة الله ، لا يقبل الله منه صرفاً ولا عدلاً ، حتى يدخله جهنم ” فتفكروا رحمكم الله في حال المسلمين اليوم ، والواقع الأليم الذي تعيشه الأمة في هذا الزمن ، من توسيد الأمر لغير أهله من العصاة والفسقة والمجرمين والظالمين ، والمنافقين العلمانيين ، والشيعة الرافضة ، بل وحتى من الكفرة الفجرة ، الذين يستغلون مناصبهم لاستغلال المسلمين ، والذين لا يأبهون بأكل الرشوة بالباطل ، وتأخير معاملات المسلمين ، والذين لا يتورعون عن الظلم والعدوان ، ومع ذلك تجدهم قد تسنموا قمم المراتب ، وأعالي المناصب ، وأهل الخير والصلاح ، أهل القرآن والسنة ، أهل الله وخاصته ، لا يقام لهم وزن ، ولا يُقدر لهم قدر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، لقد انقلبت الأمور ، وانتكست المفاهيم ، وتغيرت الأوضاع ، ونكست الطباع ، فأين العزة والفلاح ، وأين الرفعة والصلاح ، التي ينشدها المسلمون في كل مكان مع هذا التفريط في الأمانة

على الموظف والمرءوس ، وعلى العامل والخادم ، أن يؤدي كل منهم العمل المناط به على أكمل وجه وأحسنه ، فذلك من الأمانة ، ولا بد أن يستنفد جل وقته ، وكل جهده في إكمال عمله وتحسينه ، أما من فرط في أداء عمله المنوط به ، كمن يسرق من مال كفيله ، أو يبيع سلعة رخيصة بثمن باهض ، ويأخذ الباقي دون علم صاحب العمل ، أو من يقوم باستخدام آلات العمل وأجهزته ومعداته من أجل مصالحه الشخصية ، أو من يأخذ شيئاً من عمله لبيته أو لغيره دون إذن مسبق ، أو يسرق آلات الحرب ومعداته من عمله ، أو يؤخر معاملات المسلمين من أجل حفنة قذرة من أوساخ الدنيا ، فتلك الأعمال وغيرها من السرقة والغلول والعياذ بالله ، قال تعالى : ” ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة ” ، وقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ” مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ ، فَكَتَمْنَا مِخْيَطًا فَمَا فَوْقَهُ ، كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ، فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ أَسْوَدُ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اقْبَلْ عَنِّي عَمَلَكَ قَالَ وَمَا لَكَ قَالَ سَمِعْتُكَ تَقُولُ كَذَا وَكَذَا قَالَ وَأَنَا أَقُولُهُ الْآنَ مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ فَلْيَجِئْ بِقَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ فَمَا أُوتِيَ مِنْهُ أَخَذَ وَمَا نُهِيَ عَنْهُ انْتَهَى ” [ أخرجه مسلم ] .
أمة الإسلام : من الغش الواقع اليوم ، وهو أعظم الغش ، وأضره على الإنسان والمجتمعات والبيوتات ، التفريط في أمانة الأسرة ، من زوجة وأولاد ، فهذه هي الخيانة التي حذر منها الشرع ، وهذا هو الغش المحرم الذي أشار إليه الدين الحنيف ، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ” ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ” [ متفق عليه ] ، فكم هم الأولياء الذين خانوا الله ورسوله ، وخانوا أماناتهم وهم يعلمون ، وذلك بإدخال وسائل الفساد إلى بيوتهم ، من أطباق فضائية وإنترنت ، ومجلات خليعة ماجنة فاضحة ، ألا وإن موضوع الفضائيات والإنترنت لهو موضوع جدير بأن يوضع نُصب الأعين ، ويكون أطروحة العلماء ، ومناقشة الدعاة والأولياء ، لما تسببه من تفش للجريمة ، ووقوع في الرذيلة ، والأحداث والوقائع شاهدة على تحريم الفضائيات والإنترنت ، فكم من أسرة مزق عفافها ، وذهب حياؤها ، وكم من بيت تفككت روابط المودة بين أهله ، وكم هم صرعى الإنترنت الذين نشاهدهم اليوم ، وكم هي المآسي والآلام ، والأحزان والأسقام ، التي تحيط بمجتمعات المسلمين من جراء تلك الفضائيات والإنترنت ، فهي وسائل هدامة ، لا خير فيها ، ولا جدوى منها ، لقد خطط الأعداء كثيراً ، ودرسوا ملياً ، من أجل إيقاع المسلمين في قاع الخنا ، وفاحشة الزنا ، وياعجباً لأمر المسلمين اليوم ، عرفوا الباطل فاتبعوه ، وأدركوا الخطر فاقتحموه ، إنهم كالجنادب تتهافت على النار ، فسبحان الله العظيم الحليم ، هل من عودة صادقة للدين ، وهل من تمسك بالكتابين . فالويل للأولياء من رب الأرض والسماء ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع لكل غادر لواء يعرف به ، فيقال هذه غدرة فلان ” [ رواه البخاري

شباب الأرصفة والمخدرات ، أطفال التسكع والسهرات ، البنات الخراجات والولاجات ، النساء اللاتي يسرحن ويمرحن في الشوارع والأسواق ، أليس لأولئك الناس رجالاً وآباءً يقومون على مصالحهم ، ويخطمون زمام أمورهم ، أم أنهم خلقوا بلا راع ولا مسؤول ، فاتقوا الله أيها الآباء في أمانة الأبناء والبنات والزوجات ، فأنتم عنهم مسؤولون ، وبشأنهم يوم القيامة موقوفون ، قال تعالى : ” *وقفوهم إنهم مسؤولون* ” ، فاحذر أيها الأب العاقل أن تتفاجاً يوم القيامة بأن أهلك خصماؤك ، ألم تسمع قول الله تعالى : ” يا أيها الذين أمنوا إن من أزواجكم وألادكم عدواً لكم فاحذروهم ” ، فسيقفون خصماً ونداً لك يوم القيامة ، إذا وقفت بين يدي الجبار سبحانه ، يقولون : لم يأمرنا ، ولم ينهنا ، ولم يمنعنا ، فماذا عساك تقول في لحن القول ، وبماذا سترد في يوم تنكشف فيه الأستار والسرائر .

وإن من أعظم الأمانة ، الأمانة التي تكون بين الرجل وزوجته ، فلا تفشي له سراً ، ولا يطلع لها مخفياً ، قال صلى الله عليه وسلم : ” إن من أعظم الأمانة عند الله يوم القيامة : الرجل يفضي إلى امرأته وتفضي إليه ، ثم ينشر سرها ” [ رواه مسلم ] ، فيحرم على الزوج والزوجة أن ينشرا سرهما وما يجري بينهما من علاقات زوجية لغيرهما ، ولو على سبيل المزاح . فقد سد الشارع الكريم هذا الباب ، درءاً لما قد يحصل فيه من شرور وفتن ، وبلاياً ومحن

ألا وإن من أعظم الأمانة ، تلك الأمانة التي أنيطت بالقضاة والمعلمين ، من القيام بها أجمل قيام ، ورعايتها أعظم رعاية ، فالخصوم أمانة في أعناق القضاة ، والطلاب أمانة في رقاب المعلمين ، فليرع كل أمانته ، وليحذر من الخيانة ، أو الغدر والنكوص على الأعقاب فالويل ثم الويل لمن فرط في أمانته ، فقد أخرج الإمام أحمد في مسنده من حديث عَائِشَةُ رضي الله عنها قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ” لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ ” ، فاعدلوا بين الخصوم ، وارعوا حقوق الطلاب ، بكل صدق وأمانة ، فالأمر أخطر مما يتصور ، وأفظع مما يتوقع

يقول سبحانه وتعالى: ﴿ *إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا* ﴾ [الأحزاب: 72]، ويقول سبحانه وتعالى: ﴿ *إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا* ﴾ [النساء: 58]، ﴿ *فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ* ﴾ [البقرة: 283]، وقال: ﴿ *يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ * وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ* ﴾ [الأنفال: 27، 28]، وقال: ﴿ *وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ* ﴾ [المؤمنون: 8]، وقال: ﴿ *قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ* ﴾ [القصص: 26]

فقد روى البيهقي، وحسنه الألباني رحمهما الله، عن عبد الرحمن بن أبي قراد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ يوما فجعل أصحابه يتمسحون بوضوئه فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: « *ما يحملكم على هذا؟*»، قالوا: حب الله ورسوله! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: « *من سره أن يحب الله ورسوله أو يحبه الله ورسوله، فليصدق حديثه إذا حدث، وليؤد أمانته إذا اؤتمن، وليحسن جوار من جاوره*»
وروى الإمام أحمد في مسنده، وابن حبان في صحيحه، عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « *اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة: اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدوا إذا اؤتمنتم، واحفظوا فروجكم، وغضوا أبصاركم، وكفوا أيديكم*» .

وروى الحاكم – في مستدركه – عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « *أربع إذا كن فيك فلا عليك من الدنيا: صدق الحديث، وحفظ الأمانة، وحسن الخلق، وعفة مطعم*»

وكما رغب النبي عليه الصلاة والسلام في الأمانة وحفظها، فقد حذر ورهب وتوعد من خانها وضيعها، بل وحكم عليه بالنفاق الخالص، والعياذ بالله!

فقد روى الشيخان رحمهما الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « *أربع من كن فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر*»

ويتجلى حرصه الشديد على هذا الخلق العظيم، حين ودع أمته في حجة الوداع – كما روى الإمام أحمد، وأبو داود – فقد قال: « *ومن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وبسط يديه فقال ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ألا هل بلغت؟ ثم قال: ليبلغ الشاهدُ الغائبَ؛ فإن رب مبلَّغ أسعد من سامع*»

ويزيد من تحذيره وتأكيده عليه الصلاة والسلام بحفظ الأمانة، والتحذير من إضاعتها؛ بإخباره أمته بأنه سياتي على الدنيا زمان يؤتمن فيها الخائن، ويخون فيها الأمين، فقد روى الإمام أحمد في مسنده، والحاكم في مستدركه بسند صحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: « *سيأتي على الناس سنوات خداعات، يُصدق فيها الكاذب، ويكذب فيها الصادق، ويؤتمن فيها الخائن، ويخوَّن فيها الأمين، وينطق فيها الرويبضة*». قيل: من الرويبضة يا رسول الله؟! قال: « *الرجل التافه»، وفي رواية: «الرجل السفيه يتكلم في أمر العامة*».

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى