شهر شعبان بين الغفلة والاهتمام
بقلم المهندس / محمد صلاح

شهر شعبان بين الغفلة والاهتمام .
إن لله نفحات فتعرضوا لها، ومواسم خير فاطلبوها، وأوقات فضل فاحرصوا عليها، وقد أقبلت عليكم فاستقبِلُوها، وحلَّت بكم فاغتنِمُوها، فإنها لحظات تمضي كلمح البصر، فوا ضيعةَ العمرِ لمن ضيعها، ويا سعادةَ مَنْ ظَفِرَ بها واغتنمها،
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا).
مَضَى رَجَبٌ وَمَا قَدَّمْتَ فِيهِ … وَهَذَا شَهْرُ شَعْبَانَ الْمُبَارَكْ
فَيَا مَنْ ضَيَّعَ الْأَوْقَاتَ جَهْلًا … بِحُرْمَتِهَا أَفِقْ وَاحْذَرْ بَوَارَكْ
فَسَوْفَ تُفَارِقُ اللَّذَّاتِ قَهْرًا … وَيُخْلِي الْمَوْتُ كُرْهًا مِنْكَ دَارَكْ
تَدَارَكْ مَا اسْتَطَعْتَ مِنَ الْخَطَايَا …
بِتَوْبَةِ مُخْلِصٍ وَاجْعَلْ مَدَارَكْ
عَلَى طَلَبِ السَّلَامَةِ مِنْ جَحِيمٍ …
فَخَيْرُ ذَوِي الْجَرَائِمِ مَنْ تَدَارَكْ
قد حل بنا شهر شعبان، وهو من مواسم الطاعات وفضائل الأوقات، تُلتمس فيه النفحاتُ، وتُرفع فيه الأعمال والقربات، فعن أسامة بن زيد -رضي الله عنهما- قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، لَمْ أَرَكَ تَصُومُ مِنَ شَهْرٍ مِنَ الشُّهُورِ مَا تَصُومُ مِنْ شَعْبَانَ، قَالَ: “ذَلِكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبَ وَرَمَضَانَ، وَهُوَ شَهْرٌ تُرْفَعُ فِيهِ الْأَعْمَالُ إِلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، فَأُحِبُّ أَنْ يُرْفَعَ عَمَلِي وَأَنَا صَائِمٌ”،
وعن عائشة -رضي الله عنها- قالت: “كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: يَصُومُ حَتَّى نَقُولَ لَا يُفْطِرُ، وَيُفْطِرُ حَتَّى نَقُولَ لَا يَصُومُ، وَمَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اسْتَكْمَلَ شَهْرًا قَطُّ إِلَّا رَمَضَانَ، وَمَا رَأَيْتُهُ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ”.
إن شعبان ميدان للاستعداد والتهيؤ لاستقبال رمضان، فالنفس تحتاج إلى رياضة وتدرُّج ومقدمات، والسمو والارتفاع يحتاج إلى سُلَّم وممهِّدات، فقد تجنح النفس وَيَكِلُّ البدنُ، وَيَفْتُرُ الإنسانُ عن العبادة بسبب عدم التدرج فَيُحْرَمُ لذتَها، ويعاني من وطأتها، وربما لا يستطيع المواظبة والمداومة فيفوته بذلك خير كثير.
ولَمَّا كان شعبان تقدمة لرمضان فَحَرِيٌّ بالمسلم أن يجتهد فيه بشيء مما يكون في رمضان، ومنزلة صيام شعبان من رمضان كمنزلة السنن الرواتب مع الفرائض، فصيامه من الاستعداد والحرص على رمضان أحد أركان الإسلام.
والصوم من أفضل القُرُبات وأَجَلّ الطاعات، وأعظم العبادات، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: “قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، الصَّوْمُ جُنَّةٌ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ: إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ، وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُ بِهِمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ، وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ”.
أبواب الخير مفتوحة،
والله لا يضيع أجر من أحسن عملا، وأعمال البر المطلقة غير مقيدة بزمان ومكان، وأنواع الطاعات كثيرة وتتفاوت بحسب الأوان، وليس من العبادات طاعة تختص بشعبان، لكنه شهرٌ تُرفع فيه الأعمال، ولهذا كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحب صيامه.
وقد رغب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في صيام شعبان لغفلة كثير من الناس عنه فقال: “ذَاكَ شَهْرٌ يَغْفُلُ النَّاسُ عَنْهُ بَيْنَ رَجَبٍ وَرَمَضَانَ”.
فيا ناصحا لنفسه أقصر الأمل، وأفق من غفلتك واستعد للحساب قبل حلول الأجل.
(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا).
إن الله ما خلق الإنسان وَأَنْسَأَ له في العُمُر إلا ليجتهد في طاعته، ويجتنب معصيته، قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)،
وقد فضَّل بعض الأوقات، وأفاض فيها من اليمن والبركات والخير والنفحات، وشرع فيها بعض الأحكام والوظائف والطاعات، وَأَذِنَ لعباده أن يلتمَّسُوا من الخير فيها، فاطلبوا الخير دهركم كله، وتعرضوا لنفحات رحمة الله، فإن لله -عز وجل- نفحات من رحمته يصيب بها من يشاء من عباده.
فما أحسن حال العبد وهو يستقبل هذا الموسم بتوبة صادقة نصوح لله عز وجل.
أن يستقبل هذا الموسم العظيم، وقد أقلع وتخلَّى عن ذنوبه ومعاصيه التي لطالما حرمته الكثير من أبواب الخير.
أن يستقبل هذا الموسم بعهد جديد وصورة جديدة؛ لأنه يريد أن يفتح صفحة جديدة مع الله تعالى؛ فلا بد أن يسبق ذلك تخلية قبل التحلية؛ فيتخلى من الذنوب والمعاصي، وذلك بالتوبة إلى الله تعالى، ثم يكون بإذن الله أهلًا لكي يتحلى بالتقوى والإقبال عليه بالطاعات والقربات.
نسأل الله العظيم أن يوفقنا للتوبة والعمل الصالح، وأن يبلغنا شهر رمضان ونحن في صحة وعافية.