خواطر بقلم مجاهد الزيات
أعظم درجات الحب
أعظم درجات الحب
(هون عليك إنما أنا ابن امرأة من قريش كانت تأكل القديد) والقديد هو لقم الخبز الجافة القديمة هكذا افتتح النبي حديثه للأعرابي يدخل عليه وسط أصحابه وهم يوقروه ويبجلوه ويخشون عليه من كل شئ
وعلى أتم استعداد لافتدائه بأنفسهم وأموالهم وأهلهم جميعا فلما رأى الأعرابي ذلك خاف وهاب النبي صلى الله عليه وسلم فقال له ذلك
حتى يهدأ من روعه فيتثنى له عرض مسألته التي جاء من أجلها إلى النبي
وخرج الأعرابي من عند النبي صلى الله عليه وسلم بعد عرض مسألته ولا احد على وجه الأرض بأحب إليه من النبي صلى الله عليه وسلم
وبذلك حاز على حب من يقابله ولو مره واحده لفرط تواضعه وكان القدوة والمثل الأعلى لصاحبته الكرام فهذا هو أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي دانت له وفى عهده اكبر ممالك الدنيا في ذلك الوقت (الفرس والروم ) يقف مطأطئ الرأس أمام امرأة عجوز
حيث تحكى لنا كتب السيرة انه
لما رجع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – من الشام إلى المدينة انفرد عن الناس ليعرف أخبار رعيته فمر بعجوز في خباء لها فقال : ما فعل عمر ؟
قالت : أقبل من الشام سالما .
فقال : ما تقولين فيه ؟
قالت : يا هذا، لا جزاه الله عني خيرا .
قال : ولم ؟
قالت : لأنه ما أنالني من عطائه منذ ولي أمر المسلمين دينارا ولا درهما .
فقال : وما يدري عمر بحالك وأنت في هذا الموضع ؟
فقالت : سبحان الله، والله ما ظننت أحدا يولى على الناس ولا يدري ما بين مشرقها ومغربها .
فبكى عمر وقال : واعمراه ! كل الناس أفقه منك حتى العجائز يا عمر، ثم قال لها : يا أمة الله بكم تبيعين مظلمتك من عمر فإني أرحمه من النار ؟
فقالت : لا تهزأ بنا، يرحمك الله .
فقال عمر : لست أهزأ بك، ولم يزل بها حتى اشترى مظلمتها بخمسة وعشرين دينار . من ماله الخاص
ولما تأخر عمر في حديثه مع المرأة العجوز جاءه على بن أبى طالب وقال له ألم يأن الأوان يا أمير المؤمنين للرحيل فعلمت المرأة مع من كانت تتحدث فأخذها الحياء مما قالت في حق أمير المؤمنين
فقال لها عمر هوني عليك يا أمة الله فأنت صاحبة مظلمة ولم يتركها حتى سامحته وتركها وهى فرحه سعيده حتى أنها بكت من فرط تواضع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب
فوالله لا أعلم صفه تجمع بين حبين (حب الله وحب الناس) من صفة التواضع
فالإنسان المتواضع له صفات لا تجدها إلا فيه
فهو شخصية
لا تحب أن تتحاور عن ميزاتها أو إنجازاتها أو ماذا صنعت لِكَي تبلغ إلى مكانتها الجارية بل إنها قد تتكلم عن نجاحاتها وطريقة الوصول إليها بجملة مختصرة أو عبارات تذكر فيها ميزة الله عليها وفضل الآخرين فلا تتكلم عن نفسها بشكل مباشر
لا تحب أن يمدحها الآخرين وتتجنب ذاك بشتى الطرق فلو شعرت في موضع ما أن كل المحيطين بها يمدحونها ويذكرون إنجازاتها تسعى بشكل سريع لتغيير الأمر أو الهروب من ذاك المكان بشكل لبق دون أن يحس الآخرين أنها تضايقت من ذلك المسألة
تحب أن تتعامل مع كل أصناف البشر ، فمعاملتها واحدة للفقير والغني فلا يشعر أي من يعاملها أنها تفرق في التعامل لذلك تعد الشخصية المتواضعة أعظم وأكبر الأشخاص عن النفاق أو أن عندها ملمح منه
لا تفتش عن المال أو الشهرة أو الجاه بل تفتش دائما عن ما يحقق الرضا لها وعن صورتها التي تود أن توضح أعلاها فما يهمها هو أن تستمر على مبادئها أو الرسالة التي تحملها فالسير على نهج هذه الرسالة هو أجود أمانيها
الخجل من ملامحها ويظهر خاصة عندما يذكر فرد اجدد أفضالها فوق منه أو إنها كانت سببا في نجاحه أو تحقيق انتصار له
تعلي من شأن العاملين معها فهي طول الوقت تنسب التوفيق في الجهد للفريق المشترِك فيه اعتبارا من أقل عامل لأكبر عامل في الشركة أو الشركة العاملة بها
وبذلك وبذلك فقط يرتفع شأن المتواضع عند الله وعند الناس
فما أحوجنا إلى أحياء هذه الصفة إلى تكاد تنقرض في زمننا هذا