حتي نفـــــوز برمضــــــــــان (1)

بقلم / جمال متولى الجمل

حتي نفـــــوز برمضــــــــــان (1)

بقلم : جمال متولى الجمل

فـــــرح المؤمن برمضان

قلب المؤمن الصادق ونفسه تفرح بقدوم هذا الشهر الكريم، وتستبشر بذلك استبشارها بقدوم حبيب غائب وله شـــــــوقٌ كبير جاء من سفره، ودأب المؤمن السرور والرح بكل عمل تعبدي يُقربه من الله تعالى عله يكون سبباً لرحمة الله تعالى ورضوانه .
{قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ}يونس 58.
عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، أَنَّ رَجُلَيْنِ مِنْ (قبيلة) بَلِيٍّ قَدِمَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، وَكَانَ إِسْلَامُهُمَا جَمِيعًا( أي أسلموا معا في وقت واحد) ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنَ الْآخَرِ ( أي في الطاعات) ، فَغَزَا الْمُجْتَهِدُ مِنْهُمَا فَاسْتُشْهِدَ، ثُمَّ مَكَثَ ( عاش) الْآخَرُ بَعْدَهُ سَنَةً، ثُمَّ تُوُفِّيَ، قَالَ طَلْحَةُ: فَرَأَيْتُ فِي الْمَنَامِ: بَيْنَا أَنَا عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِهِمَا، فَخَرَجَ خَارِجٌ مِنَ الْجَنَّةِ، فَأَذِنَ لِلَّذِي تُوُفِّيَ الْآخِرَ ( الثاني الذي عاش سنة بعد الذي استشهد ) مِنْهُمَا، ثُمَّ خَرَجَ، فَأَذِنَ لِلَّذِي اسْتُشْهِدَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَيَّ، فَقَالَ: ارْجِعْ، فَإِنَّكَ لَمْ يَأْنِ لَكَ بَعْدُ، فَأَصْبَحَ طَلْحَةُ يُحَدِّثُ بِهِ النَّاسَ، فَعَجِبُوا لِذَلِكَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، وَحَدَّثُوهُ الْحَدِيثَ، فَقَالَ: «مِنْ أَيِّ ذَلِكَ تَعْجَبُونَ؟» فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ‍ هَذَا كَانَ أَشَدَّ الرَّجُلَيْنِ اجْتِهَادًا، ثُمَّ اسْتُشْهِدَ، وَدَخَلَ هَذَا الْآخِرُ الْجَنَّةَ قَبْلَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ: «أَلَيْسَ قَدْ مَكَثَ هَذَا بَعْدَهُ سَنَةً؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ: «وَأَدْرَكَ رَمَضَانَ فَصَامَ، وَصَلَّى كَذَا وَكَذَا مِنْ سَجْدَةٍ فِي السَّنَةِ؟» قَالُوا: بَلَى، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ: «فَمَا بَيْنَهُمَا أَبْعَدُ مِمَّا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ»
صحيح ابن ماجة .
( والمعني أن من عاش رمضان أكثر وكان فيه من المقبلين على الطاعات والحفاظ على الصلوات فيه وفي غيره من الشهور كان ذلك سببا لسبقه إلى الجنة ) .

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ – رضي الله عنه – قَالَ: دَخَلَ رَمَضَانُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم هَذَا رَمَضَانُ قَدْ جَاءَكُمْ شَهْرٌ مُبَارَكٌ ، فَرَضَ اللهُ – عز وجل – عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ إِذَا كَانَتْ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ (قُيِّدَتْ بالسلاسل والأغلال.) الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ (جَمْعُ مَارِدٍ ، وَهُوَ الْمُتَجَرِّدُ لِلشَّرِّ).
وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ ، فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ ، وَفُتِحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ ، وَنَادَى مُنَادٍ: يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ (يَا طَالِبَ الْعَمَلِ وَالثَّوَابِ) أَقْبِلْ (أَقْبِلْ إِلَى اللهِ وَطَاعَتِهِ بِزِيَادَةِ الِاجْتِهَادِ فِي عِبَادَتِهِ ، وَهُوَ أَمْرٌ مِنْ الْإِقْبَالِ ، أَيْ: تَعَالَ ، فَإِنَّ هَذَا أَوَانُك ، فَإِنَّكَ تُعْطَى الثَّوَابَ الْجَزِيلَ بِالْعَمَلِ الْقَلِيلِ) وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ (أَمْسِكْ وَتُبْ ، فَإِنَّهُ أَوَانُ قَبُولِ التَّوْبَة) وَللهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ ، وَذَلِكَ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ (فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي رَمَضَانَ) حَتَّى يَنْقَضِيَ رَمَضَانُ وَفِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ، مَنْ حُرِمَهَا فَقَدْ حُرِمَ الْخَيْرَ كُلَّهُ، وَلَا يُحْرَمُ خَيْرَهَا إِلَّا مَحْرُومٌ “الجامع الصحيح للسنن والمسانيد.

وَقِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي تَقْيِيدِ الشَّيَاطِينِ وَتَصْفِيدِهِمْ ،
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَانَ كَثِيرًا؟ , فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ.
فَالْجَوَابُ: أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْمَ الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ.

أَوْ الْمُصَفَّدُ بَعْضُ الشَّيَاطِين , وَهُمْ الْمَرَدَةُ ، لَا كُلُّهُمْ , وَهَذَا أَمْرٌ مَحْسُوسٌ فَإِنَّ وُقُوعَ ذَلِكَ فِيهِ أَقَلُّ مِنْ غَيْرِهِ ، إِذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيدِ جَمِيعِهِمْ أَنْ لَا يَقَعَ شَرٌّ وَلَا مَعْصِيَةٌ ، لِأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْرَ الشَّيَاطِينِ، كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ ، وَالْعَادَات الْقَبِيحَةِ، وَالشَّيَاطِينِ الْإِنْسِيَّةِ” تحفة الأحوذي (2/ 219)
خَرَجَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ وَالْقَنَادِيلُ تَزْهَرُ فِي الْمَسَاجِدِ وَكِتَابُ اللَّهِ يُتْلَى فَجَعَلَ يُنَادِي: «نَوَّرَ اللَّهُ لَكَ يَا ابْنَ الْخَطَّابِ فِي قَبْرِكَ كَمَا نَوَّرْتَ مَسَاجِدَ اللَّهِ بِالْقُرْآنِ» كتاب مختصر قيام الليل وقيام رمضان – أبو عبد الله محمد بن نصر بن الحجاج المَرْوَزِي.

قال ابن الجوزي في بستان الواعظين :
مثل هَذَا الشَّهْر كَمثل رَسُولِ أرْسلهُ سُلْطَانٍ إِلَى قومهِ فَإِن أكْرمُوا شَأْنه وعظموا مَكَانَهُ وشرَّفوا مَنْزِلَتهُ وَعرفُوا فضيلتهُ رَجَعَ الرَّسُولُ إِلَى السلطات شاكراً لأفعالهمْ مادحاً لأحوالهم رَاضِيا لأعمالهم فيحُّبهم السُّلْطَانُ على ذَلِك فَيحسنُ إِلَيْهِم كل الْإِحْسَان .

وَإِن استخفوا برعايتهِ وهوَّنوا لعنايته وَلم يُنزِلوهُ مَنْزِلَتهُ من الْإِكْرَامِ وفعلوا بِهِ فعل اللئام فَيرجع الرَّسُول إِلَى السُّلْطَان وَقد غضبَ عَلَيْهِم من قَبِيحِ أفعالهمْ وسيء أَعْمَالهم فيغضبُ السُّلْطَانُ لغضبهِ.

كَذَلِك يغْضبُ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى على من استخفَّ بِحرْمَةِ شهرِ رَمَضَانَ فيا أَيهَا الْإِنْسَانُ هَذَا شهرُ رَمَضَانَ شهر التَّوْبَةِ والغفرانِ وَهُوَ رَسُولٌ من عِنْد الْملكِ الديَّان فَمن أكْرمهُ مِنْكُم حَقِيقَة الْإِكْرَامِ وَحفظ فِيهِ لِسَانهُ من قَبِيح الكلام واقبل علي الله حق الاقبال غفر لَهُ الْملكُ العلام وَأدْخلهُ الْجنَّة مَعَ أهل الطاعةِ والإحسانِ .

عن الحسن البصري رحمه الله تعالى قال: إن الله جعل رمضانَ مضمارًا لخلقه، يستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبقَ قومٌ ففازوا، وتخلَّف آخرون فخابوا، فالعجبُ من اللاّعب الضاحك في اليوم الذي يفوزُ فيه المحسنون، ويخسرُ فيه المبطلون.

نسأل الله تعالى أن يُسعد قلوبنا بكل طاعاته واسباب رضوانه

وصل الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
نلتقي غداً بإذن الله عز وجل .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى