جلب الخيرات في اعتزال من يعرضون عن طاعة الله
بقلم د / ياسر جعفر
نعم الخيرات بجميع أنواعها وعلي جميع الأصعدة في طاعة الله، تجد في طاعة الله جميع أبواب الخير وارزقها وراحه البال والسكينة والاطمئنان، وأي شخص بعيد عن طاعة تجنبه واعتزله لان القرب منه يسبب لك التعاسة انظر لقوله تعالي ( فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۖ وَكُلًّا جَعَلْنَا نبيًا ﴾
[ سورة مريم: 49]
ولما كان مفارقة الإنسان لوطنه ومألفه وأهله وقومه، من أشق شيء على النفس، لأمور كثيرة معروفة، ومنها انفراده عمن يتعزز بهم ويتكثر، وكان من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، واعتزل إبراهيم قومه، قال الله في حقه: { فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلًّا } من إسحاق ويعقوب { جَعَلْنَا نَبِيًّا ْ} فحصل له هبة هؤلاء الصالحين المرسلين إلى الناس، الذين خصهم الله بوحيه، واختارهم لرسالته، واصطفاهم من العالمين
لقد وهب الله عزّ وجل إبراهيم – عليه السّلام – إسحاق ويعقوب – عليهما السلام – وهباً دون مقابل ورحمةً منه تعالى؛ لأنه هو الوهاب الذي يعطي الهبة بلا عوض ولا مقابل ولا منٍّ ويعطي ما يشاء لمن يشاء، وهبات الله ونعمه وعطاياه من الكثرة لا يدونها قلم ولا يحصيها حساب، قال تعالى: { *وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ*} ]النحل:18[، فالهبة من الوهاب سبحانه وتعالى، وهو الذي يكثر العطاء بلا عوض ويهب ما يشاء لمن يشاء بلا غرض، ويعطي الحاجة بغير سؤال، فقد وهب سبحانه إسحاق ويعقوب لإبراهيم – عليهما السلام – تفضلاً وكرماً وجوداً وأثراً من أثر اسمه الوهاب!
إنَّ الله الوهاب سبحانه يهب شفاءً لسقيم، وولداً لعقيم، وهدى لضال، وعافية لذي بلاء، وسع الخلق جوده ودامت مواهبه واتصلت منَنُه وعوائده، فاذا فارقت واعتزلت شخص مهما كان بسبب انه عاصي لله فهذا يجلب عليك الخيرات ويعوضك الله أبواب الخير وهبه الأرزاق والبركات ، فينبغي علي الإنسان أن يعتزل عدو الله وعدو دينه وطاعته ولو كنت شغال عنده ! فعدو الله اعتزله لأنة شر وكل ما يجلب منه شر ، انظر لقوله تعالي (*وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِّلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ۚ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ*) (114 ، سيدنا إبراهيم لما تبين له أن أباه عدو لله تبرأ منه ، فالخير كل الخير في طاعة الله وجميع أبواب الخيرات والسعادة في طاعة الله ، لا يغضبك في الدنيا إلا لطاعة الله عز وجل كن حريصا لطاعة الله في جميع معاملاتك وعلى جميع الأصعدة ، وتجنب العصاة ، وتجنب واعتزل جميع أغداء الله لإنك لأتزي منهم آلا كل شر
فلما اعتزل الخليل أباه وقومه في الله أبدله الله من هو خير منهم، ووهب له إسحاق ويعقوب، يعني ابنه وابن إسحاق].
يعني: ابنه وابن ابنه إسحاق، وهذا الاعتزال إنما كان من بعد الدعوة، بعد أن دعاهم وكرر الدعوة، بدأ وأعاد ورأى أنه لا فائدة من دعواهم حتى وعده أبوه بأن يرجمه إن لم ينته تركهم واعتزلهم، فلما اعتزلهم عوضه الله خيراً منهم ورزقه الله أبناء أنبياء، رزقه إسماعيل وهو نبي من سلالته نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو الأب الثاني وأبو العرب، ورزقه إسحاق وإسحاق نبي، وإسحاق رزق بيعقوب، ويعقوب هو إسرائيل، وأنبياء بني إسرائيل كلهم من سلالة يعقوب.
قال: [ووهب له إسحاق ويعقوب، يعني ابنه وابن إسحاق كما قال في الآية الأخرى: {وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً} [الأنبياء:٧٢]، وقال: { *وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ*} [هود:٧١].
ولا خلاف أن إسحاق والد يعقوب، وهو نص القرآن في سورة البقرة: { *أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ*} [البقرة:١٣٣] ولهذا إنما ذكر هاهنا إسحاق ويعقوب، أي: جعلنا له نسلاً وعقباً أنبياء، أقر الله بهم عينه في حياته].
وجعل الله في ذريته النبوة والكتاب، كما قال سبحانه: { *وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ*} [العنكبوت:٢٧] وكل نبي بعث بعد إبراهيم فهو من سلالته، وكل كتاب نزل من السماء بعد إبراهيم فهو على نبي من ذريته، وهذه منقبة عظيمة، وإبراهيم الخليل هو أبو الأنبياء ووالد الحنفاء، وأشرف بيت نسبي على الإطلاق هو بيت إبراهيم عليه السلام، ومن هذا البيت نبينا محمد صلى الله عليه وسلم
ففي الحديث النبوي الشريف (*لا تُصاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ، ولا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ*)
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الموارد | الصفحة أو الرقم : 1721 | خلاصة حكم المحدث : حسن | التخريج : أخرجه أبو داود (4832)، والترمذي (2395) واللفظ لهما، وأحمد (11337) باختلاف يسير
وفي رواية (لا تصاحبْ إلا مؤمنًا ، ولا يأكلْ طعامَك إلا تقيٌّ*)
الراوي : أبو سعيد الخدري | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح أبي داودالصفحة أو الرقم: 4832 | خلاصة حكم المحدث : حسن
التخريج : أخرجه أبو داود (4832)، والترمذي (2395) واللفظ لهما، وأحمد (11337) باختلاف يسير
كانَ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم حرِيصًا على تَعليمِ أُمَّتِه ما يَنفعُها في دِينِها ودُنياها، وما يحفظُ عليهم عَلاقاتِهم الطَّيِّبةَ، وكانَ يحضُّ على التواصُلِ والتوادِّ والتصاحُبِ بين المسلمينَ، وهذا الحديثُ تَوجيهٌ وإرْشادٌ نَبويٌّ لِمَن أرادَ سلامةَ نفسِه وبيتِه وعَلاقاتِه معَ الناسِ.
وفيه يقولُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: “لا تصاحِبْ إلَّا مُؤمِنًا”، أي: لا تَتخِذْ صاحِبًا ولا صديقًا إلَّا مِن المؤمنينَ؛ لأنَّ المؤمنَ يدلُّ صديقَه على الإيمانِ والهدى والخيرِ، ويَكونُ عُنوانًا لصاحِبه، وأَّما غيرَ المؤمنِ فإنَّه يضُرُّ صاحبَه.
“ولا يَأكلْ طعامَكَ إلَّا تقِيٌّ” أي: المتورِّعُ، والمرادُ: لا تَدعُ أحدًا إلى طعامِكَ وبيتِكَ إلَّا الأتقياءَ؛ فإنَّ التقيَّ يتقوَّى بطعامِكَ على طاعةِ اللهِ، وإذا دخلَ بيتَكَ لم يتطلَّعْ إلى عوراتِكَ، وإذا رَأى شيئًا ستَره عليكَ، أمَّا غيرُ الأتقياءِ مِن الفاسقينَ فهُم على العَكسِ مِن ذلكَ، فإنَّ الإطعامَ يُحدِثُ الملاطفةَ والمودَّةَ والأُلفةَ، فيجِبُ أن يكونَ ذلكَ للمؤمنينَ والصالحينَ.
وفي الحديثِ: النَّهيُ عن اتِّخاذِ الأصحابِ مِن الفسَقةِ، والأمرُ باتَّخاذِهم مِن الأتقياءِ المؤمنينَ.
وفيهِ: النَّهيُ عن دَعوةِ الفَسقةِ إلى الطَّعامِ، والأمرُ بدَعوةِ الصالحينَ إليه
فينبغي هذا علي مستوي الفرد والأسرة والمجتمع المحلي والدولي لكي يسود ويعم الخير في بلاد المسلمين هذه هي تعاليم الإسلام وديننا ،ولما اعتزلنا تعاليم ديننا اصبحنا في قاع الأمم ، واصبحنا مسخرة ومهزلة بين الأمم فينبغي تجنب واعتزال كل من يكون عدو لله ولطاعة الله,
لما كان الإنسان يتأثر أثراً بالغاً بأصحابه, كان على العاقل الذي يريد السلامة لنفسه في الدنيا والسعادة لها في الآخرة ألا يصاحب إلا من تنفعه صحبته وتزينه, وأن يحذر من مصاحبة من تضره صحبته وتشينه، قال تعالى: (*وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا*) [الكهف: 28]. قال العلامة ابن سعدي: “يأمر تعالى نبيه محمداً -صلى الله عليه وسلم- وغيره أسوته في الأوامر والنواهي, أنه يصبر نفسه مع المؤمنين العباد المنيبين الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أي أول النهار وآخره, يريدون بذلك وجه الله فوصفهم بالعبادة والإخلاص فيها، ففيها الأمر بصحبة الأخيار، ومجاهدة النفس على صحبتهم ومخالطتهم وإن كانوا فقراء, فإن في مصاحبتهم من الفوائد ما لا يحصى.
(*وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ) أي لا تجاوزهم بصرك وترفع عنهم نظرك, (تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا*) فإن هذا ضار غير نافع قاطع عن المصالح الدينية. فإن ذلك يوجب تعلق القلب بالدنيا فتصيرُ الأفكار والهواجسُ فيها، وتزول من القلب الرغبة في الآخرة, فإن زينة الدنيا تروقُ للناظر، وتسحرُ العقل فيقفل القلبُ عن ذكر الله، ويُقبلُ على اللذات والشهوات فيضيعُ وقته وينفرط أمره, فيخسرُ الخسارة الأبدية ويندمُ الندامة السرمدية”. انتهى كلامه -رحمه الله-
وقال تعالى محذراً من مصاحبة غير المتقين: (*الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ*) [الزخرف: 67] أي إن الأخلاء يوم القيامة الذين اصطحبوا على الكفر والتكذيب وعلى معصية الله بعضهمُ لبعض عدو, يتبرأ بعضهم من بعض ويلعن بعضهم بعضاً, ويدعو بعضهم على بعض؛ لأن بعضهم ساق بعضاً إلى أسباب الهلكة من الكفر والفسوق والعصيان, فلم تكن مودتهم لله ولا مستقيمة على منهاجه, فانقلبت عداوة يوم القيامة إلا المتقين, الذين اتقوا الشرك والمعاصي, فإن محبتهم تبقى وتدوم بدوام من كانت المحبة لأجله.
وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “*الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل*” [رواه أبو داوود والترمذي]. قال العلامة المباركفوري -رحمه الله-: “قوله “الرجل” يعني الإنسان “على دين خليله” أي على عادة صاحبه وطريقته وسيرته. “فلينظر” أي فليتأمل وليتدبر “من يخالل” من المخاله وهي المصادقة والإخاء فمن رضي دينه وخلقه خالـله, ومن لا تجنبه فإن الطباع سراقة, والصحبةَ مؤثرة في إصلاح الحال وإفساده”. انتهى كلامه -رحمه الله