تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (687)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (687)

غزوة بني قريظة (32)

تفنيد الشبهات المُثارة حول غزوة بني قريظة (4) .
الثالثة : لماذا كان العقاب على جميع مقاتلى بني قريظة وليس زعماؤهم فقط ؟
والـــــــــــــــرد على ذلك :
– من البديهي المعروف حينذاك من قوانين العرب ، بل سائر المجتمعات ( أو أعرافهم التي كانت في زمانهم ، أن المواقف السياسية والعسكرية على وجه الخصوص إن لم تكن – كل المواقف – كانت جماعية يدين بالولاء لها جميع أفراد القبيلة ومن يحالفهم ، ولم تكن ابدا فردية إلا فيما ندر ).
الموقف العسكري بل والاجتماعي للقبيلة أو للطائفة أو للجماعة واحد ، لا يشذ عنه أحد ، ومن لا يُذعن لقرار القبيلة يخلعوه ( يطردوه ) منها ، وهو ما يُشبه في زماننا مواقف الكيانات السياسية والعسكرية أو شبه العسكرية كالجماعات والأحزاب ، التحركات والأنشطة فيها جماعية، يلتزم بها جميع أعضاؤها ، الزعماء فيها مجرد مديرين ومنظمين أو ممثلين للكيان، هكذا كانت القبائل والطوائف حينذاك .
لذلك فإن النبي صلى الله عليه واله وسلم ، حينما بدأ يشعر بتغيرات بني قريظة ، ونقضهم للعهد ، أرسل من يستطلع حالهم وحركتهم ، كقبيلة، وليسوا كأفراد ولا زعماء ، وهذا ثابت في الحديث الصحيح التالى :

عن الزُّبيرِ بن العوَّام رضي الله عنه – قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” ..مَنْ يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأتِينِي بِخَبَرِهِمْ فَانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رجَعْتُ جَمَعَ لِي رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبَوَيْهِ، فَقَالَ: فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي ” متفق عليه .

ثانياً : فإن يهــود قُريظة فيما مرّ بنا من أدلة تثبت نقضهم لوثيقة المدينة ، وإعلانهم الحرب على المسلمين ، وفق الشروح التي وردت في روايات السيرة والمفُسرة لتعبير حربهم المتكررة الاحاديث الصحيحة ، بتحالفهم مع أحزاب الشرك المتآمرين والمحاربين للمسلمين ، كانوا دائما علي مشورة جماعية ، ولم ينفرد بقرار نقض العهد زعيمهم بمفرده، وكذلك كان يمكن لبني قريظة النجاة من العقاب لو أنهم استمعوا واستجابوا لأرشد ما نصحهم به زعيمهم كعب بن أسد ، وخاصة انّه أكد عليهم معرفتهم بصدق نبوة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولكنهم أصروا على النُكران ، وازدادوا تمسكاً بموقفهم المحارب .

ففي سيرة ابن هشام عن ابن إسحاق :
.. قَالَ كَعْبُ ابْن أَسَدٍ لَهُمْ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، قَدْ نَزَلَ بِكُمْ مِنْ الْأَمْرِ مَا تَرَوْنَ، وَإِنِّي عَارِضٌ عَلَيْكُمْ خِلَالًا ثَلَاثًا، فَخُذُوا أَيَّهَا شِئْتُمْ، قَالُوا: وَمَا هِيَ؟ قَالَ: نُتَابِعُ هَذَا الرجل ونصدّقه فو الله لَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ أَنَّهُ لَنَبِيٌّ مُرْسَلٌ، وَأَنَّهُ لَلَّذِي تَجِدُونَهُ فِي كِتَابِكُمْ، فَتَأْمَنُونَ عَلَى دِمَائِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَأَبْنَائِكُمْ وَنِسَائِكُمْ ، قَالُوا: لَا نُفَارِقُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ أَبَدًا، وَلَا نَسْتَبْدِلُ بِهِ غَيْرَهُ ” .

والتوصيف الصحيح ليهود بني قريظة بعد نقضهم للعهد ، وتعاونهم مع الأحزاب ضد وطنهم – أنهم اصبحوا طائفة متمردة .
بمعني : أنهم جماعة مسلحة متآمرة ضد وطنها ( وهذا النوع أسوأ من الجماعات الانفصالية – لأن الانفاصليين يسعون للاستحواذ على منطقة ليقيموا فيها حكماً موازياً للدولة الأم – إما حكما ذاتيا مستقلاً – أي بمعزل عن الحكومة المركزية لكن تحت وصايته فيما يخص العلاقات الخارجية – وإما إقامة دولة مستقلة منشقة ومنفصلة عن الدولة الأم (
وفي وقتنا المعاصر ، في جميع دول العالم دستورياً وقانونياً يتم محاكمة ومحاسبة جميع من انتسب لمثل هذه الفئات والجماعات دون اعتراض إنساني أو قضائي .
ومع ذلك فشريعة الإسلام والرسول الأكرم صلى الله عليه واله وسلم ، كان سبّاقاً انسانياً وتشريعياً ، ولم يعاقب كل من انتسب لهيهود قريظة المتمردين ، بل قتل قوتهم العسكرية المقاتلة فقط ، دون أي تجاوز يُذكر كما مرّ بنا وفصلناه .

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى