تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (723)
بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (723)
سرية أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه على سيف البحر أو سرية الخبط (3).
▪︎ فــــوائد ودروس من الحديث والغزوة :
1- بيان ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من إيمان عميق بالإسلام ورسالته واستمرار تضحيتهم في سبيل الله تعالى بالنفس والمال ، وبذل الجُهد في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى ، وفي هذه السرية ، نجدهم يصبرون ويتحملون جوعاً شاقاً ، حتي أنهم يعيشوا اياماً طِوال على بضع تمرات تنتهي إلى تمرة واحدة للجندي الواحد في اليوم الكامل ، ويصبّر الجندي نفسه بمص التمرة ، ثم بعد نفاد التمر كلياً ولم يعد لأحد منهم حتي التمرة الواحدة ، أكل ورق الشجر الجاف ، واخذ يبلله ويلينه بالماء ، ومكثوا شهراً على ذلك .
وهذا ليتعلم المسلمون من بعدهم أن الإسلام بجلاله وكماله وشريعته يستحق التضحية بالغالى والنفيس ، وأنه ليس في الدنيا أعز من الدين العظيم .
2- بيان عظيم الكرم والمواساة والمرؤة الفريدة وأن ذلك خِصلة خيّرة في الصحابة وأيضاً ما ينبغي أن يتصف بها المسلمون ، فهذا قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما – يتحرك ويبحث عمن يشتري تموره بالمدينة ويمنحه مقابلاً له ذبائح يذبحها لإخوانه ، ووالده سعد بن عباد يثني علي فعله ويشجعه ويشكره .
3- حرص الأخــوة على بعضهم البعض وحرصهم على سمعة وكرامة بعضهم ، فهذا أبو عبيدة أمير السرية بعدما ذبح قيس بن سعد 6 ذبائح وكان يريد ان يزيد وكل ذلك كان بالدين ، فنهاه أبو عبيدة حتي لا يستدين فوق طاقته .
وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعفف عن الطعام من ذبائح قيس بن سعد بعد أنّ نصحه وذكره ، أنّه ربما لا يفي اباه بهذا الدين الكبير فتنجرح سمعتهم .
4- التواضع الجم والطاعة الكاملة من الصحابة لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ولمن يؤمره على المسلمين ، دل على ذلك :
أولاً : وجود عمر بن الخطاب رضي الله عنه في السرية كجندي يسمع ويطيع لأبي عبيدة بن الجراح ، مع ان عمر أكبر وأفضل منه .
ثانيا : طاعة السرية كاملة دون أدني غضاضة ، فقد تقبل كل جندها وبلا استثناء مشقة الجوع وشظف العيش والطعام ، ورضوا بأن يكون من نصيب الواحد في اليوم تمرة واحدة يمصها ليتصبر برحيقها .
5- كرامة صحابة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عند الله تعالى ، الذي رحمهم وفرَّج عنهم ، وأخرج لهم الحوت بين أيديهم فرجاً لشِدَتِهم واطعمهم من جوع .
6 – بيان حكم ميتة البحر، وهو الحلّ، وذلك لتصريحه في الحديث بكون البحر ألقى حوتًا ميتًا، فأكلوا منه، ثم أكَل النبيّ صلى الله عليه واله وسلم منه بعدهم.
( بعد أن أكلوا من ميتة البحر تحت الاضطرار الذي يبيح المحظور وأكد ذلك قول ابي عبيدة رضي الله عنه ” ميتة ” وأكلوا باجتهاده ثم لما رجعوا المدينة حكوا لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم فأكد الإباحة لذاتها لميتة البحر وليس للاضطرار )
7 – أن الجيوش لا بدّ لها من أمير، يضبطها، وينقادون لأمره ونهيه، وأنه ينبغي أن يكون الأمير أفضلهم، أو من أفضلهم، وأنه يستحبّ للرفقة ( في غير موطن الإقامة – مثل السفر ) من الناس، وإن قلّوا أن يؤمّروا أحدهم عليهم، ويُطيعوه، وينقادوا له، فقد أخرج البيهقيّ في “السنن الكبرى” من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، مرفوعًا: “إذا كان ثلاثةٌ في سفر، فليؤمّروا أحدهم”، وهو حديث صحيح.
8 – ما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من الزهد في الدنيا، والتقلّل منها، والصبر على الجوع، وخشونة العيش، وإقدامهم على الغزو مع هذا الحال ،.
9- مشروعية المواساة بين الجيش، عند وقوع المجاعة ( أو الحاجة ) والمواساة بين أي مجموعة .
10 – أن الاجتماع على الطعام، يستدعي البركة فيه .
11 – أنه يستحبّ للرفقة من المسافرين خلط أزوادهم ( طعامهم – او كافة مايلزم سفرهم ) ؛ ليكون أبرك، وأحسن في العِشرة، وأن لا يختصّ بعضهم بأكل دون بعض، كما كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يفعله في مواطن، وكما كان الأشعريّون يفعلونه، وأثنى عليهم بذلك رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، كما ثبت ذلك في “الصحيح”.
12 – أنه لا بأس بسؤال الإنسان من مال صاحبه ومتاعه .
13 – أن فيه جوازَ الاجتهاد في الأحكام، في زمن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، كما يجوز بعده، وذلك لقول أبي عُبيدة رضي الله عنه بعد أَنْ نهاهم عن أكله، وقال: “ميتة، لا تأكلوه، قال: جيش رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وفي سبيل الله عز وجل، ونحن مضطرّون، كلُوا باسم الله” – ( وسبق ان تحدثنا عن أن الاجتهاد باب مفتوح لا يغلق كلما دعّت اليه الحاجة والنوازل الجديدة ) .
14 – أن فيه إباحةَ ميتات البحر كلها، سواء في ذلك، ما مات بنفسه، أو باصطياد .
قال الجامع عفا الله تعالى عنه ( الشيخ الاتيوبي رحمه الله تعالى ) بعد ان ساق اراء العلماء : قد تبيّن بما ذُكر أن أرجح الأقوال هو القول بتعميم حل أكل حيوان البحر، إلا ما ورد نصّ صحيح بمنع أكله، وإلا ما ثبت عن ثقات الأطبّاء، أو التجربة ضرره، فيحرم .
دليلنا قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} المائدة: 96، قال ابن عباس، والجمهور: “صيده ما صدتموه، وطعامه ما قذفه”، وبحديث جابر هذا، وبحديث: “هو الطهور ماؤه، الحل ميتته”، وهو حديث صحيح.
15- في الحديث دلالة أنّ المضطر للطعام أو الشراب من المحرم ، يأكل كفايته ، وليس فقط ما يسد رمقه كما هو مقرر عند البعض ولكن دون استباحة مطلقة – قال القرطبيّ رحمه الله: هذا دليل لمالك، ولمن يقول بقوله: على أن المضطرَّ يأكل من الميتة شِبَعه، ويتبسَّط في أكلها، فإنَّها قد أبيحت له، وارتفع تحريمها في تلك الحال (1).
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
______________
(1) من رقم 6 الى 15 بتصرف من البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح مسلم بن حجاج .