تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (719)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (719)

الاحداث بعد غزوة الخندق وقريظة
إســـــــــلام عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ – رضي الله عنه – (4)
دروس من إســـــــــــــــــلام عمرو بن العاص رضي الله عنه (2)

6- (ومنها): أن في قول عمرو رضي الله عنه: “فلا تصحبني نائحة، ولا نار” امتثال لنهي النبيّ صلى الله عليه واله وسلم عن ذلك، قال النوويّ: وقد كَرِهَ العلماء ذلك، فأما النياحة فحرام.
قال الجامع عفا الله تعالى عنه: أن إتباع الميت بالنار حرام؛ لظاهر النهي، ولأنّ التشبّه بأعمال الجاهليّة محرّم.

7 – (ومنها): أن في قوله: “فَشُنُّوا عليّ التراب” استحباب صَبّ التراب في القبر، وأنه لا يُقعَد على القبر، بخلاف ما يُعْمَل في بعض البلاد، قاله النوويّ. –

8- (ومنها): إثبات فتنة القبر، وسؤال الملكين، وهو مذهب أهل الحق، وقد أخرج المصنّف عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال نبي الله صلى الله عليه وسلم: “إن العبد إذا وُضِع في قبره، وتَوَلَّى عنه أصحابه، إنه لِيَسمع قَرْعَ نعالهم، قال: يأتيه ملكان، فيقعدانه، فيقولان له: ما كنت تقول في هذا الرجل ( أي : النبي صلى الله عليه واله وسلم ) ؟ قال: فأما المؤمن، فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله، قال: فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار، قد أبدلك الله به مقعدًا من الجنة، قال نبي الله صلى الله عليه واله وسلم: فيراهما جميعًا”، قال قتادة: وذُكِر لنا أنه يُفْسَح له في قبره سبعون ذراعًا، ويُملأ عليه خَضِرًا إلى يوم يبعثون.

9 – (ومنها): استحباب الْمُكث ( الجلوس ) عند القبر بعد الدفن لحظةً، نحوَ ما ذُكر؛ لما ذُكر، وللدعاء للميت بالتثبيت، فقد أخرج أبو داود في “سننه” بسنده عن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: كان النبيّ صلى الله عليه واله وسلم إذا فرغ من دفن الميت، وَقَفَ عليه، فقال: “استغفروا لأخيكم، وسَلُوا له التثبيت، فإنه الآن يُسأل”.

10 – (ومنها): أن الميت يَسْمَعُ حينئذ مَن حَوْلَ القبر، وهو ما دلّ عليه حديث أنس رضي الله عنه المذكور، ولحديث عمرو بن العاص رضي الله عنه هذا، لأن الظاهر أنه إنما قاله نقلًا عن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم؛ لأن مثله لا يُدرك إلا من جهة النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، قاله القرطبيّ.
قال القاضي عياض: وفي هذا الحديث حجة لفتنة القبر، وأن الميت تُصرف روحه إليه إذا أدخل قبره لسؤال الملكين، وفتنتهما، وأنه يعلم حينئذ، ويسمع، ولا يُعترض على هذا بقوله تعالى: {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى} النمل: 80 -؛ للاختلاف في معناها، واحتمال تأويلها، ولأنه قد يكون المراد بها في وقت غير هذا؛ لما وردت به الآثار الصحاح من فتنة القبر، وسؤال الملكين، ولا يُنافي هذا السماع
[تنبيه]: استنبط بعض العلماء من هذا الحديث استحباب قراءة القرآن على القبر، قال: لأنه يستأنس بمن حوله، وشممع منهم، وهذا استنباط غير صحيح، فإن النبيّ صلى الله عليه واله وسلم مع كثرة حضوره مقابرَ المسلمين لم يقرأ القرآن، ولم يأمر أصحابه به، مع كون القرآن أفضل الأذكار، وإنما أمرهم بالاستغفار له، والدعاء بالتثبيت، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
أخرج الشيخان عن عائشة رضي الله عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو رد”
وأخرج الإمام أحمد، وأصحاب السنن بسند صحيح، من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: “..عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها، وعَضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة”.

11 – (ومنها): أنه ينبغي للعبد الخوف من تغيّر الحال، والتقصير في الأعمال في حال الموت، لكن ينبغي أن يكون الرجاء هو الأغلب في تلك الحال، حتى يُحسن ظنّه بالله تعالى، فيلقاه على ما أمر به النبيّ صلى الله عليه واله وسلم، فقد أخرج المصنّف عن جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه واله وسلم قبل وفاته بثلاث، يقول: “لا يموتنّ أحدكم، إلا وهو يحسن بالله الظن”.

12 – (ومنها): أنه يُستفاد من سياق كلام عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه إنما لم يستطع أن يصف النبيّ صلى الله عليه واله وسلم؛ لكونه لم يتأمل ذاته الشريفة في حالتي الكفر والإسلام؛ لاحتجابه عن ذلك، أما في حال كفره فمنعه شدّة بغضه له صلى الله عليه واله وسلم على أن لا يملأ عينيه من النظر إليه، وأما في حال الإسلام فمنعه من ذلك أيضًا شدّة محبته؛ لأن شدّة بغض الشيء، وشدّة حبه، يحجب العين عن النظر إليه نظر تأمل.

ومن ثمّ إنك إذا نظرت إلى أكابر الصحابة رضي الله عنهم كأبي بكر، وعمر، وعثمان رضي الله عنهم لا تجد عندهم من أوصافه صلى الله عليه واله وسلم الذاتيّة بدقّة ما عند أصاغرهم، فمعظم كتب السنّة والسير إذا طالعت فيها تجد أوصافه صلى الله عليه واله وسلم الدقيقة مروية عن أصاغر الصحابة، كأنس، وهند بن أبي هالة، وابن الزبير، وابن عباس، وابن عمر، وابن عمرو، وأم معبد الخزاعيّة رضي الله عنهم، وأشباههم، أو الذين لازموه من صغرهم، كعليّ، وابن مسعود رضي الله عنهم، وسرّ ذلك هو ما ذكره عمرو بن العاص رضي الله عنه هنا؛ لأنهم ما كانوا يملأون أعينهم من النظر إليه صلى الله عليه واله وسلم، حتى يصفوه وصفًا دقيقًا، فتأمل ما ذكرته، تجده حقًّا – إن شاء الله تعالى – والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا ونعم الوكيل (1).

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
(1) البحر المحيط الثجاج في شرح صحيح الامام مسلم بن الحجاج – مصدر سابق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى