تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (707)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (707)

الاحداث بعد غزوة الخندق وقريظة
غزوة بني لحيان
كانت قبائل بني لِحيان هذه (وهي من قبائل الحجاز بطن _ فرع – من هذيل تقع منازلهم بين عسفان ومكة) قد غدرت باثني عشر من خِيرة أصحاب النبي – صلى الله عليه واله وسلم – فقتلوهم جميعًا بعد أَن أَعطوهم الأَمان.
وقد ذكرنا في الحلقات بعد ( 490 – تحت عنوان سرية الرجيع ) أَن وفدًا من هذه القبائل جاءُوا إِلى النبي – صلى الله عليه واله وسلم – في المدينة متظاهرين بالإِسلام وطلبوا من النبي – صلى الله عليه واله وسلم – أَن يُرسل بعثة من أَصحابه تُعلِّم بني لحيان شرائع الإِسلام، فاستجاب النبي – صلى الله عليه واله وسلم – فأَوفد معهم عشرة من خيرة أَصحابه يفقهوهم ويعلموهم ويقرؤنهم القرآن وكان أميرهم عاصم بن ثابت رضي الله عنه
غير أَن هذه البعثة لم تكد تصل ديار بني لحيان حتى غدر بها هؤلاءِ الخونة، فاستشهد جميع أَفراد هذه البعثة حيث قتلوا جميعهم غدرًا
وقد تأَلم النبي – صلى الله عليه وسلم – أَشد الأَلم لفقد أُولئك العشرة البررة الأَعزاء عليه. . وخاصة أنهم قُتلوا بطريقة تمثل أَحطَّ أَنواع الخيانة والغدر.
وكان النبي – صلى الله عليه واله وسلم – راغبًا كل الرغبة في تأْديب تلك القبائل الخائنة الغادرة، والاقتصاص منها لأُولئك الشهداءِ من القُراءِ الأَبرار المغدور بهم .
إِلا أَن الظروف في تلك السنة (وهي السنة الرابعة من الهجرة) كانت غير مواتية لتحقيق هذه الرغبة. . حيث كان النبي صلى الله عليه واله وسلم مشغولا بدفع الأَخطار الجِسام التي تهدد الإِسلام والمسلمين في عقر دارهم من الداخل والخارج، لا سيما مؤامرات اليهود الخطيرة التي يدبرونها .
**- النبي صلى الله عليه واله وسلم يقود الحملة بنفسه:
وبمجرد أن انهزمت الأَحزاب واندحروا ذلك الاندحار المعروف حتى تحرَّك بنفسه لتأْديب أَعراب بني لحيان من ( قبيلة ) هذَيل الغادرين الخونة.
إِذ تحرك على رأْس قوة قوامها مائتا مقاتل بينهم عشرون فارسًا.
وكانت غزوة (بني لحيان) أَول حملة عسكرية يقودها النبي – صلى الله عليه واله وسلم – بنفسه بعد غزوة بني قريظة .
**- تضليل العدو:
لقد كانت أَرض (بني لحيان) من هُذيل تبعد عن المدينة أكثر من مائتين من الأَميال. وهي مسافة بعيدة، يلاقي مشاق كبيرة كل من يريد قطعها وخاصة إِذا كان غازيًا، ولكن النبي – صلى الله عليه واله وسلم – لم يبال بذلك فقد كان حريصًا كل الحرص على الاقتصاص لأَحبابه من الصحابة الذين استشهدوا (غدرًا) على يد هذه القبائل الغادرة التي لا تقيم للعهود والمواثيق اعتبارًا ( حتي على غير ما اعتادت عليه العرب في الجاهلية ) .
وكما هي عادة النبي – صلى الله عليه وسلم – في تضليل العدو الذي يريد مهاجمته اتجه بجيشه نحو الشمال بينما تقع منازل بني لحيان (الذين قرر غزوهم) في أَقصى الجنوب.
وقد أَعلن النبي – صلى الله عليه واله وسلم – قبل تحركه نحو الشمال: أَنه يريد الإِغارة على الشام.
وسبب هذه التعمية: أنّه صلى الله عليه واله وسلم للتو انتهي من غزوتين كبيرتين – الأحزاب ويهود قُريظة ، ومازال بالمدينة منافقين فلربما كان هناك جواسيس للمشركين بينهم ، لذلك أراد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم تفويت الفرصة عليهم .
وحتى أَصحابه كانوا لا يشكُّون في أَنه يريد أَن يغزو بهم الشام، ولم يعلموا أَنه يريد بني لحيان إِلا عندما انحرف بهم نحو الجنوب، بعد أَن اتَّجه بهم متوغلًا نحو الشمال حوالي عشرين ميلا. . في حركة تمويهية على العدو بارعة.
وكان تغيير خط سيره من الشمال إِلى الجنوب عند مكان يقال له (البتراءُ) ففي ذلك المكان اتجه بجيشه نحو الغرب حتى استقام على الجادة منْصَبًّا نحو الجنوب.
**- فرار اللحيانيون قبل وصول النبي صلى الله عليه واله وسلم :
وظل النبي صلى الله عليه واله وسلم محيطاً غزوته بالسرية والكتمان (ومن ذلك سلوك السبل غير المطروقة) ليفاجئوا الغادرين ، ويقتصوا منهم للشهداءِ المغدور بهم .
ولكن (قبائل هذيل) الغادرة، توقعت قيام النبي – صلى الله عليه واله وسلم – وخاصة بعد هزيمة واندحار الأحزاب – بمثل هذه الحملة التأْديبية. . كانت على غاية التيقظ والانتباه، فقد بثَّت الأَرصاد والجواسيس في الطرق ليتحسسوا لها ويتجسسوا ، وأوصل هؤلاء الجواسيس لهم انهم رصدوا تحرك جيش المسلمين منهم .
لذلك فما كاد النبي – صلى الله عليه واله وسلم – يقترب من منازل هؤلاءِ الغادرين حتى انسحبوا منها فارين. . وفروا إلى الجبال .

**- المطاردة:
وصل النبي صلى الله عليه واله وسلم – إلى ديار (بني لحيان) وتأَكّد له فرارهم منه، فعسكر في ديارهم بجيشه، ثم بث السرايا من رجاله ليتعقبوا هؤلاءِ الغادرين، ويأْتوا إِليه بمن يقدرون عليه.
وقد استمرت السرايا النبوية في البحث والمطاردة يومين كاملين إِلا أَنها لم تجد أَي أَثر لهذه القبائل التي تمنعت في رؤوس تلك الجبال الشاهقة.
**- الإِقامة في أرض العدو:
أقام النبي – صلى الله عليه واله وسلم – في ديارهم لإِرهابهم وتحديهم (كما هي عادته) وليظهر لهم وللمحيطين بهم من الأَعداءِ مدى قوة المسلمين ، واستعدادهم واصرارهم على الحركة حتى إِلى قلب ديار العدو متى شاؤوا.
**- إرهاب المشركين بمكة:
ولما كانت الحالة القائمة بين المسلمين ومشركي مكة في ذلك الظرف في حالة حرب .. فقد رأى النبي – صلى الله عليه واله وسلم – أن يغتنم فرصة وجوده بجيشه قريبًا من مكة فقرر أن يقوم بمناورة عسكرية يرهب بها المشركين في مكة.
فتحرك بجيشه حتى نزل به وادي عُسفان (واد شمال وادي فاطمة – بجوار بَلَدٍ يُقَالُ لَهُ: سَايَةُ) وهناك استدعى أَبا بكر الصديق وأَعطاه عشرة فوارس من أَصحابه وأَمره بأَن يتحرك بهم نحو مكة ليبث الذعر والفزع في نفوسهم – دون ان يشتبك معهم في قتال – ، فاتجه الصدِّيق بالفُرسان العشرة نحو مكة حتى وصل بهم كراع الغميم وهو مكان قريب جدًّا من مكة.
فسمعت قريش بذلك فظنت أَن النبي – صلى الله عليه واله وسلم – ينوي غزوها فانتابها الخوف والفزع والرعب، وساد صفوفها الذعر .. هذا هو الذي هدف إليه النبي – صلى الله عليه وسلم – بهذه الحركة التي كلف الصدِّيق أن يقوم بها.
أما الصدِّيق وفرسانه العشرة فبعد أن وصلوا كُراع الغميم – وحققوا الهدف المقصود – وهو بث الذعر والفزع في نفوس أَهل مكة وإيصال رسالة قوة إليهم – عادوا سالمين إلى النبي صلى الله عليه واله وسلم فتحرَّك بجيشه عائدًا إلى المدينة (1) .
وزاد ابن إسحاق أن جَابِرَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ قال : سَمِعْت رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ يَقُولُ حِينَ وَجّهَ رَاجِعًا: “آيِبُونَ تَائِبُونَ إنْ شَاءَ اللهُ لِرَبّنَا حَامِدُونَ أَعُوذُ بِاَللهِ مِنْ وَعْثَاءِ السّفَرِ وَكَآبَةِ الْمُنْقَلَبِ وَسُوءِ الْمَنْظَرِ فِي الْأَهْل وَالْمَال” (2).

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
_________
(1) ابن سعد سعد في الطبقات – بتصرف
(2) من معارك الإسلام الفاصلة – موسوعة الغزوات الكبرى – مصدر سابق .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى