تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (700)
بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (700)
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ (7) .
فوائد ودروس من سرية قتل اليهودي أبي رافع (4)
الفَرعُ الثَّاني: الأدِلَّةُ من السُّنَّةِ على قَتْلِ سابِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم
1- عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما: ” أَنَّ أَعْمَى كَانَتْ لَهُ أُمُّ وَلَدٍ تَشْتُمُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، وَتَقَعُ فِيهِ، فَيَنْهَاهَا، فَلَا تَنْتَهِي، وَيَزْجُرُهَا فَلَا تَنْزَجِرُ، قَالَ: فَلَمَّا كَانَتْ ذَاتَ لَيْلَةٍ، جَعَلَتْ تَقَعُ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، وَتَشْتُمُهُ، فَأَخَذَ الْمِغْوَلَ فَوَضَعَهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأَ عَلَيْهَا فَقَتَلَهَا، فَوَقَعَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا طِفْلٌ، فَلَطَّخَتْ مَا هُنَاكَ بِالدَّمِ، فَلَمَّا أَصْبَحَ ذُكِرَ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، فَجَمَعَ النَّاسَ فَقَالَ: «أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا فَعَلَ مَا فَعَلَ لِي عَلَيْهِ حَقٌّ إِلَّا قَامَ»، فَقَامَ الْأَعْمَى يَتَخَطَّى النَّاسَ وَهُوَ يَتَزَلْزَلُ حَتَّى قَعَدَ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَا صَاحِبُهَا، كَانَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَنْهَاهَا فَلَا تَنْتَهِي، وَأَزْجُرُهَا، فَلَا تَنْزَجِرُ، وَلِي مِنْهَا ابْنَانِ مِثْلُ اللُّؤْلُؤَتَيْنِ، وَكَانَتْ بِي رَفِيقَةً، فَلَمَّا كَانَ الْبَارِحَةَ جَعَلَتْ تَشْتُمُكَ، وَتَقَعُ فِيكَ، فَأَخَذْتُ الْمِغْوَلَ فَوَضَعْتُهُ فِي بَطْنِهَا، وَاتَّكَأْتُ عَلَيْهَا حَتَّى قَتَلْتُهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا اشْهَدُوا أَنَّ دَمَهَا هَدَرٌ» ( أي ليس لها دية ) . صحيح سنن ابي داود .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذه المرأةُ إمَّا أن تكونَ كانت زوجَةً لهذا الرَّجُلِ أو مملوكةً له، وعلى التقديرين فلو لم يكُنْ قَتْلُهَا جائزًا لبيَّن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم له أنَّ قَتْلَها كان مُحَرَّمًا، وأنَّ دَمَها كان معصومًا، ولأوْجَبَ عليه الكفَّارَةَ بقَتلِ المعصومِ، والدِّيَةَ إنْ لم تكُنْ مملوكةً له، فلمَّا قال: (اشْهَدُوا أنَّ دَمَهَا هَدَرٌ) -والهَدَرُ: الذي لا ديَةٍ ولا كفَّارَةٍ -، عُلِمَ أنَّه كان مُباحًا، مع كونِها كانت ذِمِّيَّةً؛ فعُلِم أنَّ السبَّ أباح دَمَهَا، لا سيَّما والنَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم إنَّما أهْدَرَ دَمَهَا عَقِبَ إخبارِه بأنَّها قُتِلَت لأجْلِ السبِّ، فعُلِمَ أنَّه الموجِبُ لذلك، والقِصَّةُ ظاهِرةُ الدَّلالةِ في ذلك) .
وقال الصنعانيُّ: (الحديثُ دليلٌ على أنَّه يُقتَلُ مَن سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم ويُهدَرُ دَمُه؛ فإن كان مُسلِمًا كان سَبُّه له صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم رِدَّةً، فيُقتَلُ، قال ابنُ بطَّال: من غيرِ استتابةٍ، ونَقَل ابنُ المنذِرِ عن الأوزاعيِّ واللَّيثِ أنَّه يُستتابُ، وإن كان من أهلِ العَهدِ فإنَّه يُقتَلُ إلَّا أن يُسلِمَ، ونقل ابنُ المنذِرِ عن اللَّيثِ والأوزاعيِّ والشَّافعيِّ وأحمدَ وإسحاقَ؛ أنَّه يُقتَلُ أيضًا من غيرِ استتابةٍ، وعن الحَنَفيَّةِ أنَّه يُعَزَّرُ المعاهَدُ) .
وقال ابنُ عثيمين: (في هذا الحديثِ عِدَّةُ فوائِدَ: أولًا: أنَّ من سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم فدَمُه هَدَرٌ، وظاهِرُ هذا الحديثِ أنَّه لا يُستَتابُ؛ لأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم لم يُبَيِّنْ أنَّه كان يجِبُ أن يَستتيبَها إلَّا أن يقال: إنَّ نَهْيَه إيَّاها وامتناعَها عن الانتهاءِ بمنزلةِ الاستتيابِ. وعلى كُلِّ حالٍ: فمن سَبَّ اللهَ عَزَّ وجَلَّ أو رسولَه، فهو كافِرٌ مرتدٌّ لا إشكالَ فيه، ولكِنْ يبقى النَّظَرُ إذا تاب هل تُقبَلُ توبتُه أو لا؟ فالمشهورُ مِن المذهَبِ أنَّه لا تُقبَلُ توبةُ من سَبَّ اللهَ أو رسولَه؛ لأنَّ هذا كُفرٌ ليس بعده كُفرٌ، هذا أعظَمُ الكُفْرِ) .
2- عن جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم: ” مَن لِكَعبِ بنِ الأشرَفِ؟ فإنَّه قد آذى اللهَ ورَسولَه ” . فقام مُحَمَّدُ بنُ مَسلَمةَ فقال: يا رَسولَ اللهِ؟ أتحِبُّ أن أقتُلَه؟ قال: “نعم” صحيح البخاري – وقد تقدم الحديث والحادثة كاملة في موضعه.
ونذكّر هنا بإيجاز من قول أبو العبَّاسِ القُرطبي في تفسيره :
(كَعْبٌ هذا رجُلٌ من بني نبهانَ مِن طَيِّئٍ، وأمُّه من بني النضيرِ، وكان شاعِرًا، وكان قد عاهده النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم ألَّا يُعِينَ عليه، ولا يتعَرَّضَ لأذاه، ولا لأذى المُسلِمين، فنَقَض العَهْدَ، وانطلق إلى مكَّةَ إثْرَ وَقعِة بَدرٍ، فجعل يبكي من قُتِل من الكُفَّار، ويحَرِّض على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، وهو الذي أغرى قريشًا وغيرَهم حتى اجتمعوا لغزوةِ أحُدٍ، ثم إنَّه رجع إلى بلَدِه، فجعل يهجو رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويؤذيه والمُسلِمين، فحينئذ قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: “مَن لكَعْبِ بنِ الأشرَفِ؛ فإنَّه قد آذى اللهَ ورَسولَه ” ، فأغرى بقَتْلِه، ونَبَّه على عِلَّةِ ذلك، وأنَّه مُستحِقٌّ للقَتْلِ).
3- عن أبي بَرْزَةَ قال: “أغلَظَ رجُلٌ لأبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ، فقُلتُ: أقتُلُه؟ فانتَهَرني وقال: ليس هذا لأحدٍ بعد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم” صحيح سنن النسائي .
وفي رواية أخري : ” .. قال: أكنتَ فاعِلًا لو أمَرْتُك؟ قُلتُ: نعم، قال: لا، واللهِ ما كانت لبشَرٍ بعد رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم ” معالم السنن .
قال السُّبْكيُّ: (هذا الكلامُ من أبي بكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه يدُلُّ على أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم له أن يَقتُلَ من تَغَيَّظَ عليه، بخلافِ غَيرِه مِنَ البَشَرِ، ولا شَكَّ أنَّ سَبَّه يَغيظُه) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (قد استَدَلَّ به على جوازِ قَتْلِ سابِّ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم جماعاتٌ من العُلَماءِ؛ منهم: أبو داودَ، وإسماعيلُ بنُ إسحاقَ القاضي، وأبو بكر عبدُ العزيزِ، والقاضي أبو يعلى، وغيرُهم من العُلَماءِ، وذلك لأنَّ أبا برزةَ لَمَّا رأى الرَّجُلَ قد شتم أبا بكرٍ وأغلظ له حتى تغَيَّظَ أبو بكرٍ، استأذنه في أن يقتُلَه بذلك، وأخبره أنَّه لو أمره لقَتَلَه، فقال أبو بكرٍ: ليس هذا لأحدٍ بعد النبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، فعُلِمَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم كان له أن يَقتُلَ من سَبَّه ومن أغلظ له .
والثَّانيةُ: أنَّ له أن يَقتُلَ من شَتَمَه وأغلظ له.
وهذا المعنى الثَّاني الذي كان له، باقٍ في حَقِّه بعد موتِه، فكُلُّ من شتَمَه أو أغلَظَ في حَقِّه كان قَتْلُه جائزًا، بل ذلك بعد موتِه أوكَدُ وأوكَدُ؛ لأنَّ حُرمَتَه بعد موتِه أكمَلُ، والتَّساهُلَ في عِرْضِه بعد موتِه غيرُ ممكِنٍ، وهذا الحديثُ يفيدُ أنَّ سَبَّه في الجملةِ يُبيحُ القَتْلَ، ويُستدَلُّ بعُمومِه على قَتْلِ الكافِرِ والمسلِمِ) .
4- عن سَعدِ بنِ أبي وقَّاصٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال:” لَمَّا كان يومُ فتحِ مكَّةَ اختبأ عبدُ اللهِ بنُ سعدِ بنِ أبي سَرحٍ عند عُثمانَ بنِ عَفَّانَ، فجاء به حتى أوقفه على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، فقال: يا رسولَ اللهِ، بَايِعْ عبدَ اللهِ، فرفع رأْسَه، فنظر إليه، ثلاثًا، كلُّ ذلك يأبى، فبايَعَه بعد ثلاثٍ، ثمَّ أقبل على أصحابِه فقال : “أمَا كان فيكم رَجُلٌ رَشِيدٌ يقومُ إلى هذا حيثُ رآني كَفَفَتُ يَدِي عن بَيْعَتِه، فيَقْتُلُه؟ !” فقالوا: ما ندري يا رسولَ اللهِ ما في نَفْسِك، ألا أوْمَأْتَ إلينا بعَيْنِك؟ قال: “إنَّه لا يَنْبَغِي لنبيٍّ أن تكونَ له خائنةُ الأَعْيُنِ ” صحيح سنن أبي داود .
قال ابنُ تَيميَّةَ عن قِصَّةِ ابنِ أبي سَرحٍ: (هي مِمَّا اتَّفَق عليها أهلُ العِلمِ، واستفاضت عندهم استفاضةً يُستغنى عن روايةِ الآحادِ، وذلك أثبتُ وأقوى مِمَّا أخرجه الواحِدُ العَدْلُ) .
5- عن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دخل مكَّةَ عام الفَتحِ، وعلى رأسِه المِغْفَرُ (ما يجعل من فضل درع الحديد على الرأس مثل القلنسوة) ، فلَمَّا نزعه جاءه رجلٌ فقال: ابنُ خَطلٍ متعَلِّقٌ بأستارِ الكَعبةِ، فقال: ” اقتُلُوه ” صحيح مسلم .
جاء في تيسير العلام شرح عمدة الأحكام – المعنى الإجمالي:
كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين كفار قريش حروب كثيرة مما أوغر صدورهم.
فلما كان فتح مكة، دخلها صلى الله عليه واله وسلم في حالة حيطة وحذر، فوضع على رأسه المغفر.
وكان صلى الله عليه واله وسلم (قد أمر بقتل أُناس من المشركين) ، ولو وُجِدُوا في أستار الكعبة، وسمى منهم “ابن خطل” الذي أسلم، ثم قَتَل مسلماً وارتد عن الإسلام وذهب إلى الكفار، فجعل جواريه يغنين بهجاء النبي صلى الله عليه واله وسلم ، فلما وضعت الحرب أوزارها ذلك اليوم، وأمَّن أهل مكة، واستأمن منهم ، وجد بعض الصحابة “ابن خطل” متعلقاً بأستار الكعبة، ( متحصناً ) بحرمتها من القتل، لما يعلم من سوء صنيعه، وقُبح سابقته، فتحرجوا من قتله قبل مراجعة النبي صلى الله واله عليه، فلما راجعوه قال: اقتلوه، فقتل بين الحجر والمقام.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا مِمَّا استفاض نَقْلُه بين أهلِ العِلْمِ واتَّفَقوا عليه: أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم أهدَرَ دَمَ ابنِ خَطلٍ يومَ الفَتحِ فيمن أهدَرَه، وأنَّه قُتِل… فثبت أنَّ هذا التغليظَ في قَتْلِه إنَّما كان لأجْلِ السَّبِّ والهِجاءِ، وأنَّ السَّابَّ وإن ارتَدَّ، فليس بمنزلةِ المرتَدِّ المحْضِ يُقتَلُ قبل الاستتابةِ، ولا يؤخَّرُ قَتْلُه، وذلك دليلٌ على جوازِ قَتْلِه بعد التَّوبةِ).
مما يعني ان ابنُ خَطلٍ ارتكب أكثر من جُرم وقُبح :أنه أسلم – وبعد إسلامه، قتل مسلماً من ( قبيلة ) خزاعة ، ثم ارتد عن الإسلام ، ثم أمر جواريه ( خادماته المغنيات ) بهجاء ( السبّ والإنتقاص ) رسول الله صلى الله عليه واله وسلم – وقد أمر رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بقتله حتي ولو تعلق باستار الكعبة لعظيم جُرمه في سبّه صلى الله عليه واله وسلم ، إذ لو كان الأمر بالقتل لقتله المسلم من خُزاعة لكان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قد سلمه لها وهي لها الخيار في قتله قصاصا أو اخذ الدية منه أو العفو عنه ( 1) .
والأدلة في ذلك مستفيضة ، مما يثبت ان من يعتدي وينتقص من رسول الله صل الله عليه واله وسلم فهو كافر ولا جزاء له غير القتل .
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة