تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (699)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (699)

بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ (6) .

فوائد ودروس من سرية قتل اليهودي أبي رافع (3)

كُفر وقتل من يسب أو ينتقص من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
مرّ بنا في حادثة قتل كعب بن الاشرف ، الحكم الشرعي في كفر وقتل من ينتقص او يعيب او يستهزئ برسول الله صلى الله عليه واله وسلم أياً كانت ديانته
ولا مانع لأهمية المسألة أن نعيد الحديث عنها هنا أيضا.

الفَرعُ الأوَّلُ: الأدِلَّةُ من القُرآنِ على كُفرِ سابِّ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم (١) .
1- قال اللهُ تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ * أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدًا فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ }التَّوبة: 61-63 .
قال الشَّوكانيُّ في تفسيره : (قوله: وَمِنْهُمْ هذا نوعٌ آخَرُ مِمَّا حكاه اللهُ من فضائِحِ المنافِقين وقبائِحِهم، وذلك أنَّهم كانوا يقولون للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم على وَجهِ الطَّعنِ والذَّمِّ: هُوَ أُذُنٌ، قال الجوهريُّ: يقال: رجُلٌ أذُنٌ: إذا كان يسمَعُ مَقالَ كُلِّ أحدٍ، ومرادُهم -أقمأهم اللهُ- أنَّهم إذا آذَوُا النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبسطوا فيه ألسِنَتَهم، وبلَغَه ذلك، اعتذروا له وقَبِلَ ذلك منهم؛ لأنَّه يسمَعُ كُلَّ ما يُقالُ له فيُصَدِّقُه، وإنَّما أطلقت العَرَبُ على من يسمَعُ ما يقال له فيُصَدِّقُه أنَّه أذنٌ؛… وإيذاؤُهم له هو قَولُهم: هُوَ أُذُنٌ؛ لأنَّهم نَسَبوه إلى أنَّه يُصَدِّقُ كُلَّ ما يقالُ له، ولا يُفَرِّقُ بين الصَّحيحِ والباطِلِ اغترارًا منهم بحِلْمِه عنهم، وصَفْحِه عن خباياهم؛ كَرَمًا وحِلمًا وتغاضيًا) .

وقال ابنُ تَيميَّةَ في الصارم المسلول على شاتم الرسول عند كلامِه عن هذه الآياتِ: (فعُلِمَ أنَّ إيذاءَ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه واله وسلم مُحادَّةٌ لله ولرَسولِه؛ .. ودَلَّ ذلك على أنَّ الإيذاءَ والمحادَّةَ كُفرٌ؛ لأنَّه أخبَرَ أنَّ له نارَ جَهنَّمَ خالدًا فيها، ولم يَقُلْ: «هي جزاؤه»، وبيْن الكلامينِ فَرقٌ، بل المحادَّةُ هي المعاداةُ والمُشاقَّةُ، وذلك كُفرٌ ومحاربةٌ، فهو أغلَظُ من مجَرَّدِ الكُفْرِ، فيكونُ المؤذي لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم كافِرًا عَدُوًّا لله ورَسولِه، محارِبًا للهِ ورَسولِه).
وقال أيضًا: (الإيمانُ والنِّفاقُ أصلُه في القَلْبِ، وإنَّما الذي يَظهَرُ مِن القَولِ والفِعلِ فَرعٌ له ودليلٌ عليه، فإذا ظهر من الرَّجُلِ شَيءٌ من ذلك ترتَّب الحُكْمُ عليه، فلمَّا أخبَرَ سُبحانَه أنَّ الذين يَلمِزون النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، والذين يُؤذونه: من المنافقين، ثبت أنَّ ذلك دليلٌ على النِّفاقِ وفَرعٌ له، ومعلومٌ أنَّه إذا حصل فرعُ الشَّيءِ ودليلُه حصل أصلُ المدلولِ عليه؛ فثبت أنَّه حيثُما وُجِد ذلك كان صاحِبُه مُنافِقًا، سواءٌ كان منافِقًا قبلَ هذا القَولِ أو حَدَث له النِّفاقُ بهذا القَولِ) .

وفي الحديثِ أنَّ امرأةً كانت تسُبُّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم: ” مَن يكفيني عدُوِّي؟ ” مصنف عبدالرزاق الصنعاني.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (يكون كافِرًا حَلالَ الدَّمِ؛ لقَولِه تعالى: {إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ في الأَذَلِّين }المجادلة:20 ، ولو كان مؤمنًا معصومًا لم يكن أذلَّ؛ لقَولِه تعالى: {وَللهِ الْعِزَّةُ ولِرَسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنيْنَ }المنافقون:8 ، وقَولِه:{ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ } المجادلة:5 ، والمؤمِنُ لا يُكبَتُ كما كُبِتَ مُكَذِّبو الرُّسُلِ قط، ولأنَّه قد قال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤمِنُونَ بِاللهِ والْيَوْمِ الآخِرِ يُوادُّونَ منَ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ }المجادلة: 22 ، فإذا كان من يُوَادُّ المحادَّ ليس بمؤمنٍ، فكيف بالمحادِّ نَفْسِه؟!) .

2- قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابُ النَّار * ذَلِكَ بأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فإنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ }الحشر: 3-4 .
قال البَغَويُّ في تفسيره : (وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ الخُروجَ مِنَ الوَطَنِ، لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيَا بالقَتْلِ والسَّبْيِ، كما فَعَل ببني قُرَيظةَ، وَلَهُمْ في الْآخِرَةِ عَذَابُ النَّار ذَلِكَ الذي لَحِقَهم بأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فإنَّ اللهَ شَدِيدُ العِقَابِ) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (فجَعَل سَبَبَ استِحقاقِهم العذابَ في الدُّنيا ولِعَذابِ النَّارِ في الآخِرةِ هو مُشاقَّةَ اللهِ ورَسولِه، والمؤذي لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم مُشاقٌّ لله ورَسولِه كما تقدَّم، والعذابُ هنا هو الإهلاكُ بعذابٍ مِن عِندِه أو بأيدينا، وإلَّا فقد أصابهم ما دونَ ذلك من ذَهابِ الأموالِ وفِراقِ الأوطانِ) .

3- قال اللهُ سُبحانَه: {يَحْذَرُ المُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُوْرَةٌ تُنَبِّئُهُم بِمَا في قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزئُوا إنَّ اللهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُون ولَئِن سَألْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخوُضُ ونَلْعَبُ قُلْ أَبالله وآياتِهِ وَرَسُولهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرميْنَ }التَّوبة: 64-66 .
قال ابنُ جريرٍالطبري في تفسيره : (لَا تَعْتَذِرُوا بالباطِلِ، فتقولوا: كُنَّا نخوضُ ونَلعَبُ قَدْ كَفَرْتُمْ يقولُ: قد جَحَدْتُم الحَقَّ بقَولِكم ما قُلتُم في رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم والمؤمنين به بَعْدَ إِيمَانِكُمْ يقولُ: بعد تصديقِكم به وإقرارِكم به، … وأمَّا قَولُه: إِنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ فإنَّ معناه: نُعَذِّب طائفةً منهم باكتسابِهم الجُرمِ، وهو الكُفْرُ باللهِ، وطَعْنُهم في رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (هذا نصٌّ في أنَّ الاستهزاءَ باللهِ وبآياتِه وبرَسولِه كُفرٌ، فالسَّبُّ المقصودُ بطَريقِ الأَوْلى، وقد دلَّتْ هذه الآيةُ على أنَّ كُلَّ مَنْ تنقَّصَ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم جادًّا أو هازِلًا، فقد كَفَر) .
وقال السَّعديُّ: (في هذه الآياتِ دليلٌ على أنَّ من أسَرَّ سريرةً، خُصوصًا السَّريرةَ التي يمكُرُ فيها بدينِه ويستهزِئُ به وبآياتِه ورَسولِه؛ فإنَّ اللهَ تعالى يُظهِرُها ويَفضَحُ صاحِبَها ويعاقِبُه أشَدَّ العُقوبةِ، وأنَّ من استهزأ بشَيءٍ من كِتابِ اللهِ أو سُنَّةِ رَسولِه الثَّابتةِ عنه، أو سَخِرَ بذلك أو تنقَّصه، أو استهزأ بالرَّسولِ أو تنقَّصَه؛ فإنَّه كافِرٌ باللهِ العظيمِ) .

4- قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْهَا رَضُوا وَإِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْهَا إِذَا هُمْ يَسْخَطُونَ }التَّوبة: 58 .
نزلَت هذه الآيةُ في ذي الخُويصِرة التَّميميِّ حينما جاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، وهو يُقَسِّمُ غنائِمَ حُنَينٍ، فقال: اعدِلْ يا رَسولَ اللهِ، فقال: (وَيلَك! ومن يَعدِلُ إذ لم أعدِلْ؟) قال عُمَرُ بنُ الخطَّابِ: دَعْني أضرِبْ عُنُقَه، قال: (دَعْه؛ فإنَّ له أصحابًا يحقِرُ أحَدُكم صلاتَه مع صلاتِه، وصيامَه مع صيامِه، يَمرُقون من الدِّينِ كما يَمرُقُ السَّهمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ!) ،… قال أبو سعيدٍ: أشهَدُ سَمِعتُ مِن النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، وأشهَدُ أنَّ عَلِيًّا قَتَلَهم وأنا معه، جيءَ بالرَّجُلِ على النَّعتِ ( الصفة ) الذي نعَتَه ( وصفه بها ) النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم، قال: فنَزَلت فيه: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقَاتِ} .
وأذى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم داخِلٌ في سَبِّه؛ لأنَّ السَّبَّ: هو الكلامُ الذي يُقصَدُ به الانتقاصُ والاستِخفافُ والعَيبُ، واللَّمزُ فيه انتِقاصٌ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (اللَّمزُ: العَيبُ والطَّعنُ، قال مجاهِدٌ: يتَّهِمُك ويُزْرِيك، وقال عطاء: يَغْتَابُك. وقال تعالى: {وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ } الآية التَّوبة: 61 ، وذلك يدلُّ على أنَّ كلَّ من لَمَزه أو آذاه كان منهم؛ .. فالآيةُ وإن كانت نزلت بسَبَبِ لَمْزِ قَوْمٍ وأذى آخَرينَ، فحُكْمُها عامٌّ كسائِرِ الآياتِ اللَّواتي نزَلْنَ على أسبابٍ، وليس بين النَّاسِ خلافٌ نَعلَمُه أنَّها تعمُّ الشَّخصَ الذي نزَلَت بسَبَبِه، ومَن كان حالُه كحالِه ، ..وإذا ثبَت أنَّ كُلَّ مَن لمز النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم أو آذاه منهم، فالضَّميرُ عائِدٌ على المنافِقين والكافِرين؛ لأنَّه سُبحانَه لَمَّا قال: {انِفرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بأمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ في سَبِيلِ اللهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إنْ كُنْتُمْ تَعْلَمون} التَّوبة: 41.
قال: {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قاصِدًا لاتَّبَعُوكَ وَلَكْن بَعُدَتْ عَليْهمُ الشُقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ باللهِ }التَّوبة: 42، وهذا الضَّميرُ عائدٌ إلى معلومٍ غيرِ مَذكورٍ، وهم الذين حَلَفوا: {لَوِ اسْتَطَعْنَا لخَرَجْنَا مَعَكُمْ }التَّوبة: 42 ، وهؤلاء هم المنافقون بلا ريبٍ ولا خِلافٍ، ثم أعاد الضَّميرَ إليهم إلى قَولِه: {قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَو كَرْهًا لَنْ يُتَقَبَّلَ مِنْكم إنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقينَ ومَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُم إلَّا أنَّهُمْ كَفَرُوا باللهِ وَبِرَسُولهِ}التَّوبة: 53؛ فثبت أنَّ هؤلاء الذين أضمروا كفَروا باللهِ ورَسولِه، وقد جعل منهم مَن يلمِزُ، و(منهم) من يؤذي. وكذلك قَولُه: {وَمَا هُمْ مِنْكُمْ}التَّوبة: 56، إخراجٌ لهم عن الإيمانِ) .
وقال الشَّوكانيُّ: (قَولُه: وَمِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ،… يقال: لَمَزه يَلمِزُه: إذا عابه، قال الجوهريُّ: اللَّمزُ العَيبُ، وأصلُه الإشارةُ بالعَينِ ونَحوِها،… ومعنى الآية: ومِن المنافقين من يَعيبُك في الصَّدَقاتِ، أي: في تفريقِها وقِسْمَتِها) .

5- قال اللهُ سُبحانَه: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا والآخِرَةِ وأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنينَ والمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا }الأحزاب: 58 .
عن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: “نزلت في الذين طَعَنوا على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم” .
قال ابنُ جريرٍ في تفسيره : (قَولُه: لَعَنَهُمُ اللَّهُ فيِ الدُّنْيَا وَالْآِخَرِة يقولُ تعالى ذِكْرُه: أبعَدَهم اللهُ من رحمتِه في الدُّنيا والآخِرةِ، وأعَدَّ لهم في الآخرةِ عَذابًا يُهينُهم فيه بالخلودِ فيه) .
ودَلالةُ هذه الآيةِ على كُفرِ من سَبَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم من وجوهٍ:
الوَجهُ الأوَّلُ: أنَّه قَرَن أذاه بأذاه، كما قَرَن طاعتَه بطاعتِه، فمن آذاه فقد آذى اللهَ تعالى، وقد جاء ذلك منصوصًا عنه، ومن آذى اللهَ فهو كافِرٌ حَلالُ الدَّمِ، يُبَيِّنُ ذلك أنَّ الله تعالى جعل مَحبَّةَ اللهِ ورسولِه، وإرضاءَ اللهِ ورسولِه، وطاعةَ اللهِ ورَسولِه: شيئًا واحدًا، فقال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وأبْنَاؤكُمْ وإخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيْرَتُكمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَونَ كسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أحَبَّ إلَيكم مِنَ اللهِ وَرَسُولهِ} التَّوبة: 24 ، وقال: وَأَطِيعُوا الله والرَّسُول في مواضِعَ متعدِّدةٍ، وقال تعالى: {وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أنْ يُرْضُوهُ }التَّوبة: 62 ، فوحَّدَ الضميرَ، وقال تعالى أيضًا: {إنَّ الَّذِينَ يُبَايعُونَكَ إنَّمَا يُبَايِعُونَ الله، وقال أيضًا: يَسْأَلُوْنَكَ عَنِ الأنْفَالِ قُل الأنْفَالُ للهِ وَالرَّسُولِ}الأنفال: 1 .
وجعل شِقاقَ اللهِ ورَسولِه، ومحادَّةَ اللهِ ورَسولِه، وأذى اللهِ ورَسولِه، ومَعصيةَ اللهِ ورَسولِه: شيئًا واحدًا، فقال تعالى : {ذَلِكَ بأنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولهُ وَمَنْ يُشَاقِقِ اللهَ وَرسُولَهُ}الأنفال: 13 ، وقال: {إنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسولَه}، وقال تعالى: {ألَمْ يَعْلمُوا أنَّهُ مَنْ يُحَادِدِ اللهَ وَرَسولَهُ} المجادلة: 5 ، وقال تعالى : {وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسولَهُ} الجن: 23، فحَقُّ اللهِ وحَقُّ رَسولِه متلازمان، وفي هذا وغيرِه بيانٌ لتلازُمِ الحقَّينِ، وأنَّ جهةَ حُرمةِ اللهِ ورَسولِه جِهةٌ واحدةٌ؛ فمن آذى الرَّسولَ فقد آذى اللهَ، ومن أطاعه فقد أطاع اللهَ؛ لأنَّ الأُمَّةَ لا يَصِلون ما بينهم وبين رَبِّهم إلَّا بواسطةِ الرَّسولِ صلى الله عليه واله وسلم ، ليس لأحدٍ منهم طريقٌ غيرُه ولا سَبَبٌ سِواه، وقد أقامه اللهُ مَقامَ نفسِهِ في أمْرِه ونَهْيِه وإخبارِه وبيانِه فلا يجوزُ أن يُفَرَّقَ بين اللهِ ورَسولِه في شيءٍ من هذه الأمورِ.
الوَجهُ الثَّاني: أنَّه فَرَّق بين أذى اللهِ ورَسولِه وبين أذى المؤمِنين والمؤمِناتِ، فجعل هذا قد احتمل بُهتانًا وإثمًا مُبينًا، وجعل على ذلك لَعْنَتَه في الدُّنيا والآخرةِ، وأعَدَّ له العذابَ المُهينَ.
الوَجهُ الثَّالثُ: أنَّه ذَكَر أنَّه لعَنَهم في الدُّنيا والآخِرةِ، وأعَدَّ لهم عذابًا مُهينًا، واللَّعْنُ: الإبعادُ عن الرَّحمةِ، ومَن طَرَده عن رحمتِه في الدُّنيا والآخرةِ لا يكونُ إلَّا كافِرًا؛ فإنَّ المؤمِنَ يَقرُبُ إليها بعضَ الأوقاتِ، ولا يكونُ مباحَ الدَّمِ؛ لأنَّ حقْنَ الدَّمِ رحمةٌ عظيمةٌ من الله؛ فلا يَثبُتُ في حَقِّه.
ويؤيِّدُ ذلك قولُه: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ المُنَافِقُونَ وَالذِينَ فِي قُلُوبِهمْ مَرَضٌ وَالمُرْجِفُونَ في المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهمْ ثمَّ لا يُجَاورُونَكَ فِيْهَا إلَّا قَلِيلًا* مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا }الأحزاب:60-61.

6- قال اللهُ عَزَّ وجَلَّ:{وَمَا كَانَ لَكُمْ أنْ تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أنْ تَنْكِحُوا أزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِه أبَدًا إنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيمًا}الأحزاب:53 .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (فحَرُمَ على الأُمَّةِ أن تنكِحَ أزواجَه مِن بَعْدِه؛ لأنَّ ذلك يُؤذيه، وجعَلَه عظيمًا عند الله تعظيمًا لحُرمتِه، وقد ذُكِرَ أنَّ هذه الآيةَ نزلت لَمَّا قال بَعْضُ النَّاسِ: لو قد توفِّيَ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه واله وسلَّم تزَوَّجْتُ عائشةَ، ثمَّ إنَّ من نكح أزواجَه أو سرارِيَّه، فإنَّ عُقوبتَه القَتلُ؛ جزاءً له بما انتهك من حُرمتِه، فالشَّاتِمُ له أَولى) .
وقال الشَّوكانيُّ: (وَمَا كانَ لَكُمْ أنْ تُؤذُوا رَسُولَ اللهِ أي: ما صَحَّ لكم ولا استقام أن تؤذوه بشَيءٍ من الأشياءِ، كائنًا ما كان ).

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى