تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (697)
بقلم : جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (697)
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ (4) .
فوائد ودروس من سرية قتل اليهودي أبي رافع
1- التنافس بين الأفراد وبين الكيانات الدعوية في العمل في سبيل الله تعالى والدعوة إليه ، والعمل على رفع راية الإسلام في النفوس وفي الواقع ، والعمل المضاد لحملات التضليل والتشويه للإسلام واصوله .
ف كل أعضاء هذه السرية كانوا من الخزرج فقد حرصوا على أن ينافسوا إخوانهم من الأوس، الذين قتلوا كعب بن الأشرف، فقد كانوا كفرسي رهان في المسابقة في الخيرات فهم لا يتنافسون على اغتنام مظاهر الحياة الدنيا من المال والمناصب، وإنما يتسابقون إلى الفوز بمرضاة النبي – صلى الله عليه واله وسلم – التي مآلها رضوان الله – تعالى -والسعادة الأخروية .
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ مِمَّا صَنَعَ اللهُ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّ هَذَيْنِ الْحَيَّيْنِ ( القبيلتين ) مِنَ الْأَنْصَارِ – الْأَوْسَ وَالْخَزْرَجَ – كَانَا يَتَصَاوَلَانِ ( يتنافسان ويتسابقان في العمل للإسلام ولإرضاء رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) مَعَهُ تَصَاوُلَ الْفَحْلَيْنِ ، لَا يَصْنَعُ أَحَدُهُمَا ( ( ان كل واحد من الحيين – القبيلتين – كان يدافع عَنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى الله عليه واله وسلّم ويتفاخران بذلك، فإذا فعل أحدهما شيئا فعل الآخر مثله) شَيْئًا إِلَّا صَنَعَ الْآخَرُ مِثْلَهُ، فَلَمَّا قَتَلَتِ الْأَوْسُ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ، تَذَكَّرَتِ الْخَزْرَجُ رَجُلًا ( المستهدف – أبي رافع بن أبي حقيق ) ، هُوَ فِي الْعَدَاوَةِ لِرَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ مِثْلُهُ؛ فَذَكَرُوا ابْنَ أَبِي الْحُقَيْقِ بِخَيْبَرَ، فَاسْتَأْذَنُوا رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ واله وَسَلَّمَ فِي قَتْلِهِ؛ فَأَذِنَ لَهُمْ ” (1)
لا يصنع الأوس شيئًا فيه عن رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم – غناء إلا قالت الخزرج: والله لا تذهبون بهذه فضلا علينا عند رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم – وفي الإسلام، قال: فلا ينتهون حتى يوقعوا مثلها، وإذا فعلت الخزرج شيئًا قالت الأوس مثل ذلك (1).
2- ضرورة تعلم لغة العدو:
ومن الواضح أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم اختار عبدالله بن عتيك خصيصاً لهذه المهمة لمعرفته وإجادته اللغة اليهودية ، وقد قال ابن حجر في فتح الباري :
ذكر بن سَعْدٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَتِيكٍ كَانَ يَرْطُنُ ( يتكلم ) بِالْيَهُودِيَّةِ .
فحينما صعد عبد الله بن عتيك – رضي الله عنه – إلى حصن أبي رافع استطاع أن يخاطب أبي رافع وامرأته من قبله – لعنهما الله – بلغتهم اليهودية حينذاك.
ويؤخذ من ذلك استحباب تعلم لغة الأعداء ولغات غير المسلمين عموماً، وفي زماننا تَعَلُم ما يُسهِم في إضعاف المضللين ، ويُسهِم في تيسير القضاء على شبهات الأعداء وسحق وسائلهم واساليبهم .
3- تحمل القادة لمسؤولياتهم بجدية .
عناصر نجاح خطة ابن عتيك في قتل أبي رافع اليهودي:
أ – فقد قرر أن يذهب وحيدًا إلى الحصن لاستطلاع أمر أبي رافع ، واستطلاع وجمع معلومات حول كيفية الدخول والوصول إليه وتنفيذ المهمة – هذا ماورد في الصحيح ، ولكن في بعض الرويات المرسلة ان الفرقة ذهبت للحِصِن وصعدت لغرفة أبي رافع – لعنه الله .
ب – تصرفه العادي الذي لم يلفت انتباه أحد من الحراس، وقدرته على التمويه على الحارس، وإيهامه أنه يقضي حاجته، وهذا منع الحارس من النظر إليه وتفحصه وتفرسه في وجهه .
ج – مراقبة حركة الحارس الدقيقة بعد دخول الحصن وإغلاقه، فقد كمن في مكان لم يشعر به الحارس، وراقب الحارس حتى وضع مفتاح الحصن في مكان معين وتابعه حتى انصرف، وأخذ المفتاح وأصبح يستخدمه كيفما يشاء وفي أي وقت يشاء .
د – اتخاذ قرار القيام بمهمة قتل أبي رافع بمفرده .
فبعد أن وجد نفسه لا يمكنه العودة والخروج من الحِصن لاستداعاء او للاستعانة ببقية افراد السرية ، فعزم قصده ونيته وقرر ان يقوم بالمهمة وحده .
4- عناية الله – عز وجل – بأوليائه، فهذا الصحابي الجليل استمر بعون من الله – تعالى -يمشي ويبذل طاقته حتى بعد أن أصيبت رجله، وكأنه لا يشكو من علة حتى إذا انتهت مهمته تمامًا، وأصبح غير محتاج لبذل الجهد عاد إليه الألم، وحمله أصحابه، فلما حدث النبي – صلى الله عليه وسلم – خبره قال له: ابسط رجلك، قال: فبسطت رجلي فمسحها فكأنها لم اشتكها قط .
5- فوائد من القصة استخرجها ابن حجر حيث قال:
وفي هذا الحديث من الفوائد جواز اغتيال المشرك الذي بلغته الدعوة وأصر وقتل من أعان على رسول الله – صلى الله عليه واله وسلم – بيده أو ماله أو لسانه، وجواز التجسس على أهل الحرب، وتطلب غرتهم والأخذ بالشدة في محاربة المشركين، وجواز إيهام القوم للمصلحة، وتعرض القليل من المسلمين للكثير من المشركين، والحكم بالدليل والعلامة لاستدلال ابن عتيك على أبي رافع بصوته واعتماده على صوت الناعي بموته، والله أعلم .
6- وجود عبد الله بن أنيس جنديًا في هذه السرية، وليس أميرًا فيها له دلالته الكبرى في عملية التربية والتعليم، فهو العقبي البدري المصلي للقبلتين، فهو من السابقين الأولين من الأنصار، وليس عبد الله بن أنيس نكرة في مجال الجهاد والبطولات، فلا بد أن نذكر أنه وحده الذي ابتعثه رسول الله إلى اغتيال سفيان بن خالد الهذلي في أطراف مكة، وهو الذي كان يعد العدة لغزو المدينة، وهو الذي نجح نجاحًا باهرًا في مهمته تلك، وقتله في فراشه وداخل خيمته، وأعجز قومه هربًا، وعاد منتصرًا مظفرًا، فهو مليء بالمجد، ومع ذلك فلم يكن أمير المجموعة، إنما كان أحد أفرادها، وهو يحمل هذا التاريخ المشرق في سجلاته عند ربه – عز وجل – قبل أن يكون عند الناس.
وهو درس تربوي خالد قد استوعبه أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم -، وهذا النوع من التربية لا مثيل له في عالم الأرض، فالذي يحكم في الجيوش تسلسل الرتب حتى أن الرتبة الواحدة يتحكم فيها المتقدم بالمستجد، وعلى المستجد السمع والطاعة للمتقدم ولو بأشهر، وبهذا المنطق لا يجوز أن يتقدم على عبد الله بن أنيس أحد، ولكنها التربية النبوية العظيمة التي خطها النبي – صلى الله عليه وسلم – في أكثر من موقع، لتجعل هذا الجيل يتعلم من سابقه ويتدرب على يديه، فطالما أرسل – عليه الصلاة والسلام – سرايا فيها أبو بكر وعمر جنديان عاديان في غمار الجنود (2) .
7- التواضع من عبدالله ابن عتيك رضي الله عنه :
وفي هذا الحديث أيضاً: تواضع الصحابي عبدالله بن عتيك رضي الله عنه ، الذي قال: “قتل الله فلانا” وما قال: أنا قتلته، وإنما قال: “قتل الله أبا رافع”.
8- النجاة بعد تنفيذ المهمة من العقل والحكمة :
وأن النجاة بعد تنفيذ المهمة من المصلحة والعقل والحكمة، وليس مجرد تنفيذ المهمة دون البحث واتخاذ ما ييسر الله من أسباب للنجاة وحفظ نفس المؤمن بعدها ، ولذلك قال: -“النجاة، فقد قتل الله أبا رافع”(3).
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) جزء من رواية مرسلة رواها البيهقي في الأولى والثانية رواها عبدالرزاق في مصنفه ومالك في الموطأ وذكره ابن حجر في فتح الباري .
(2) موقع مـــــداد – تصفية المحرضين على الدولة الإسلامية – بتصرف .
(3) موقع الشيخ محمد المنجد