تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (694)
بقلم : جمال متولى الجمل
٧)
بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ
وجه رسول الله صلى الله عليه واله وسلم مجموعة من الصحابة من الخزرج رضي الله عنهم وكانوا خمسة نفر وهم: عبد الله بن عتيك، ومسعود بن سنان الأسلمي، وعبد الله بن أنيس الجهني حليف الأنصار، وأبو قتادة الأنصاري، وخزاعي بن أسود، وأمّر عليهم رسول الله عبد الله بن عتيك ، ليقتلوا أبي رافع اليهودي واسمه عبد الله بن مشكم بن أبي الحُقَيْق، ويُقال سلاّم بن أبي الحقيق – وكان من يهود بني النضير، ولكنه كان كثير الأذي لرسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، وفضلاً عن كونه كان ممن دفعوا الأحزاب للخروج للقتال في المدينة ودفع اموالاً لقبيلة غطفان وغيرها لحثهم على الانضمام الى الأحزاب ، فكا، راساً في التحريض على الحرب ضد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ودولة الإسلام بالمدينة .
وقد بذل عبدالله بن عتيك رضي الله عنه جُهداً من التفكير والتنفيذ الذي به ينفذ المهمة التي كلفه بها رسول الله – وكان الحدث كما يلي :
عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ – رضي الله عنه – قَالَ: ” بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ رِجَالًا مِنْ الْأَنْصَارِ لِيَقْتُلُوهُ فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَتِيكٍ رضي الله عنه ” ، وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – وَيُعِينُ عَلَيْهِ (ذَكَرَ اِبْن عَائِذ عَنْ عُرْوَة , أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ غَطَفَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب بِالْمَالِ الْكَثِير عَلَى رَسُول الله – صلى الله عليه واله وسلم) وَكَانَ فِي حِصْنٍ لَهُ بِأَرْضِ الْحِجَازِ ، فَلَمَّا دَنَوْا ( اقتربوا ) مِنْهُ وَقَدْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ , وَرَاحَ النَّاسُ بِسَرْحِهِمْ (أَيْ: رَجَعُوا بِمَوَاشِيهِمْ الَّتِي تَرْعَى، وَالسَّرْح: هِيَ السَّائِمَة مِنْ إِبِلٍ وَبَقَرٍ وَغَنَمٍ) .
قَالَ عَبْدُ اللهِ لِأَصْحَابِهِ – رضي الله عنهم – : اجْلِسُوا مَكَانَكُمْ ، فَإِنِّي مُنْطَلِقٌ وَمُتَلَطِّفٌ لِلْبَوَّابِ ، لَعَلِّي أَنْ أَدْخُلَ ، فَأَقْبَلَ حَتَّى دَنَا ( اقترب ) مِنْ الْبَابِ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِثَوْبِهِ (أَيْ: تَغَطَّى بِهِ لِيُخْفِيَ شَخْصَهُ لِئَلَّا يُعْرَفَ) كَأَنَّهُ يَقْضِي حَاجَةً ، وَقَدْ دَخَلَ النَّاسُ ، فَهَتَفَ ( نادي ) بِهِ الْبَوَّابُ: يَا عَبْدَ اللهِ (ولم يكن البواب يعرفه باسمه ولكن العرب ينادون على بعضهم حال عدم معرفة أسمائهم ب يا عبدالله ) ، إِنْ كُنْتَ تُرِيدُ أَنْ تَدْخُلَ فَادْخُلْ ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُغْلِقَ الْبَابَ ، قَالَ: فَدَخَلْتُ فَاخْتَبَأتُ فِي مَرْبِطِ حِمَارٍ عِنْدَ بَابِ الْحِصْنِ فَلَمَّا دَخَلَ النَّاسُ أَغْلَقَ الْبَابَ ، ثُمَّ عَلَّقَ الْمَفَاتِيحَ فِي كَوَّةٍ (الْكَوَّةُ النَّافِذَةِ) حَيْثُ أَرَاهَا وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُسْمَرُ عِنْدَهُ ( أَيْ: يجتمعون ويسهرون يَتَحَدَّثُونَ عنده لَيْلًا) وَكَانَ فِي عَلَالِيٍّ لَهُ (عَلَالِيٍّ: جَمْع عَلِّيَّةٍ , وَهِيَ الْغُرْفَةُ. فتح ) فَتَعَشَّوْا عِنْدَ أَبِي رَافِعٍ ، وَتَحَدَّثُوا حَتَّى ذَهَبَتْ سَاعَةٌ مِنْ اللَّيْلِ ، ثُمَّ رَجَعُوا إِلَى بُيُوتِهِمْ ، فَلَمَّا هَدَأَتْ الْأَصْوَاتُ وَلَا أَسْمَعُ حَرَكَةً ، خَرَجْتُ فَأَخَذْتُ الْمَفَاتِيحَ ، فَفَتَحْتُ بَابَ الْحِصْنِ ، ثُمَّ صَعِدْتُ إِلَيْهِ ، فَجَعَلْتُ كُلَّمَا فَتَحْتُ بَابًا ، أَغْلَقْتُ عَلَيَّ مِنْ دَاخِلٍ ، فَقُلْتُ: إِنْ الْقَوْمُ نَذِرُوا بِي (أَيْ: عَلِموا بوُجودي) لَمْ يَخْلُصُوا إِلَيَّ حَتَّى أَقْتُلَهُ (لوُجودِ أكثرَ مِن بابٍ مُغلَقٍ يُعطِّلُهم مِن سُرعةِ إنْقاذِه) ، فَانْتَهَيْتُ ( وصلت) إِلَيْهِ ( أي : إلى ابي حقيق لعنه الله) ، فَإِذَا الْبَيْتُ مُظْلِمٌ قَدْ طَفِئَ سِرَاجُهُ ( أنطفأ نوره) ، فَلَمْ أَدْرِ أَيْنَ ( خفي علىّ مكان ) الرَّجُلُ .
فَقُلْتُ: يَا أَبَا رَافِعٍ ( نادي عليه ليحدد مكانه) ، فَقَالَ: مَنْ هَذَا ؟ فَأَهْوَيْتُ ( اندفعت ) نَحْوَ ( تجاه ) الصَّوْتِ (أَيْ: قَصَدْت نَحْوَ صَاحِب الصَّوْتِ) فَأَضْرِبُهُ ضَرْبَةً بِالسَّيْفِ ، وَأَنَا دَهِشٌ (الدَّهَشُ: ذهابُ العقل من الذَّهَلِ والوَلَهِ , وقيل: من الفزع.) فَمَا أَغْنَيْتُ شَيْئًا (أَيْ: ضربتي هذه لم تقتله ) . فَصَاحَ وَقَامَ أَهْلُهُ ( قامت زوجته ) فَخَرَجْتُ مِنْ الْبَيْتِ ، فَأَمْكُثُ غَيْرَ بَعِيدٍ ( اتخذت مكاناً قريباً لأدخل مرة أخري ) ، ثُمَّ دَخَلْتُ إِلَيْهِ كَأَنِّي مُغِيثٌ (دخل البيت مرة أخري كأنه يغيثه من الصوت الذي سمعه) وَغَيَّرْتُ صَوْتِي ( وذلك لأنه في رواية عبد الله بن أنيس: فقالت امرأته: يا أبا رافع هذا صوت عبد الله بن عتيك (عرفته امرأة أبي رافع) فقال: ثكلتكِ أمكِ وأين عبد الله بن عتيك؟ – ( أي : كأنه يقول لها : وما الذي يأتي بعبدالله بن عتيك في هذه الساعة ) .فَقُلْتُ: مَا هَذَا الصَّوْتُ يَا أَبَا رَافِعٍ؟ ( ليوهمه انه جاء لإنقاذه ومساعدته ) ، فَقَالَ: لِأُمِّكَ الْوَيْلُ قُلْتُ: مَا شَأنُكَ ( ماذا حل بك ) ؟، لَا أَدْرِي مَنْ دَخَلَ عَلَيَّ فَضَرَبَنِي قَبْلُ بِالسَّيْفِ فَإِذَا هُوَ مُسْتَلْقٍ ( نائم ) عَلَى ظَهْرِهِ قَالَ: فَوَضَعْتُ سَيْفِي فِي بَطْنِهِ , ثُمَّ تَحَامَلْتُ عَلَيْهِ ، حَتَّى قَرَعَ ( سمعت صوت السيف وصل الى ) الْعَظْمَ فَعَرَفْتُ أَنِّي قَتَلْتُهُ ، فَجَعَلْتُ أَفْتَحُ الْأَبْوَابَ بَابًا بَابًا ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى دَرَجَةٍ لَهُ ، فَوَضَعْتُ رِجْلِي وَأَنَا أُرَى ( أظن ) أَنِّي قَدْ انْتَهَيْتُ ( وصلت) إِلَى الْأَرْضِ (أي : انْتَهى إلى دَرَجةِ سُلَّمٍ، فوضَعَ رِجلَه عليها وهو يظُنُّ أنَّه قدِ وَصَل إلى الأرضِ ) ، فَوَقَعْتُ فِي لَيْلَةٍ مُقْمِرَةٍ ، فَانْكَسَرَتْ سَاقِي ، فَعَصَبْتُهَا ( لففتها ) بِعِمَامَةٍ .
ثُمَّ انْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي أَحْجُلُ (الحَجْل: أن يَرْفَع رِجْلاً ، ويَقْفزَ عَلَى الأخرى.) فَقُلْتُ: مَا أَنَا بِبَارِحٍ ( لا أخرُجُ اللَّيلةَ حتَّى أتأكد تماما من قتله ، وذلك ليَتأكَّدَ منِ انْتِهاءِ مُهمَّتِه على الوجْهِ الأكملِ) حَتَّى أَسْمَعَ النَّاعِيَةَ ( الذي يعلن ويذيع عن الأموات ) فَلَمَّا صَاحَ الدِّيكُ ، قَامَ النَّاعِي عَلَى السُّورِ فَقَالَ: أَنْعَى أَبَا رَافِعٍ تَاجِرَ أَهْلِ الْحِجَازِ ، فَانْطَلَقْتُ إِلَى أَصْحَابِي ، فَقُلْتُ: النَّجَاءَ ، فَقَدْ قَتَلَ اللهُ أَبَا رَافِعٍ ، فَانْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ – صلى الله عليه واله وسلم – فَحَدَّثْتُهُ ، فَقَالَ: ” ابْسُطْ ( امدد ) رِجْلَكَ ” ، فَبَسَطْتُ ( مددتها ) رِجْلِي ، ” فَمَسَحَهَا ( بيده الشريفة ) ، فَكَأَنَّهَا لَمْ أَشْتَكِهَا قَطُّ ( فشفاه الله تعالى وعافاه ببركة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ) “.
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة