تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم ( 677)
عذاب القبر ونعيمه في السنة النبوية المشرفة

عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، – رضي الله عنه – قَالَ: “خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ – صلى الله عليه واله وسلم – فِي جِنَازَةِ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَانْتَهَيْنَا إِلَى الْقَبْرِ (أي : وَصَلْنَا إِلَيْهِ) وَلَمْ يُلْحَدْ بَعْدُ ( أي : لم يدفنوه ) ” فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم عَلَى شَفِيرِ (أي : حَرْف ، أو جانب) الْقَبْرِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ” (وَجَلَسْنَا حَوْلَهُ كَأَنَّ عَلَى رُءُؤسِنَا الطَّيْرَ ( كِنَايَة عَنْ غَايَة السُّكُون , أَيْ: لَا يَتَحَرَّكُ مِنَّا أَحَدٌ تَوْقِيرًا لِمَجْلِسِهِ – صلى الله عليه و اله وسلم ) ” وَفِي يَدِهِ – صلى الله عليه واله وسلم – عُودٌ يَنْكُتُ بِهِ فِي الْأَرْضِ ( أي : يَضْرِبُ بِطَرَفِهِ الْأَرْضَ، وَذَلِكَ فِعْلُ الْمُفَكِّرِ الْمَهْمُوم ) فَبَكَى حَتَّى بَلَّ الثَّرَى (التراب) مِنْ دُمُوعِهِ ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ فَقَالَ : يَا إِخْوَانِي ، لِمِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ فَأَعِدُّوا (أي : فَأَعِدُّوا صَالِحَ الْأَعْمَالِ الَّتِي تَدْخُلُ الْقَبْرَ مَعَ الْمُؤْمِن ) .. ثُمَّ قَالَ: اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ , اسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنْ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنْ الْآخِرَةِ ،( أي : حال احتضاره ) نَزَلَ إِلَيْهِ .. مَلَائِكَةُ الرَّحْمَةِ .. مِنْ السَّمَاءِ ، بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمْ الشَّمْسُ ، مَعَهُمْ كَفَنٌ حَرِيرَةٌ بَيْضَاءُ ، مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ ، وَحَنُوطٌ (ما يُخْلط من الطِّيب – العطر – لأكفان الموْتَى وأجْسَامِهم) مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ ( آخر رؤية ) الْبَصَرِ ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ – عليه السلام – حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ ، فَيَقُولُ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، اخْرُجِي حَمِيدَةً اخْرُجِي رَاضِيَةً مَرْضِيًّا عَنْكِ اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ اللهِ وَرِضْوَانٍ وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ (الرَّاحَة وَالنَّسِيم) وَرَيْحَانٍ (طِيب) وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، فَلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى تَخْرُجَ.
قَالَ: فَتَخْرُجُ ( أي : الروح ) تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ ، فَيَأْخُذُهَا مَلَكُ الْمَوْتِ – عليه السلام – وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ رِيحِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، فَإِذَا أَخَذَهَا ، لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا) حَتَّى أَنَّهُ لَيُنَاوِلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا ثُمَ يَجْعَلُونَهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ فَيَتَلَقَّاهَا مَلَكَانِ يُصْعِدَانِهَا حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى [بَابِ] السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ فَيُفْتَحُ لَهُمْ فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَا أَطْيَبَ هَذِهِ الرِّيحَ رُوحٌ طَيِّبَةٌ جَاءَتْكُمْ مِنَ الْأَرْضِ مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ – بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا – فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ صَلَّى اللهُ عَلَيْكِ ، وَعَلَى جَسَدٍ كُنْتِ تَعْمُرِينَهُ ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ ، وَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا قَالَ: فلَا يَزَالُ يُقَالُ لَهَا ذَلِكَ حَتَّى يُنْتَهَى بِهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ الَّتِي فِيهَا اللهُ – عز وجل (1)- فَيُنْطَلَقُ بِهِ إِلَى رَبِّهِ – عز وجل – فَيَقُولُ اللهُ – عز وجل -: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى ، قَالَ: فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَإِنَّهُ (الْمَيِّت) لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ (صَوْت نِعَالهمْ) إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ ( إذا رجع مشيعوه ) فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ أَسْوَدَانِ أَزْرَقَانِ (أَزْرَقَانِ أَعْيُنُهُمَا ) يُقَالُ لِأَحَدِهِمَا: الْمُنْكَرُ، وَالْآخَرُ: النَّكِيرُ ، فَيُجْلِسَانِهِ غَيْرَ فَزِعٍ وَلَا مَشْعُوفٍ (شِدَّة الْفَزَع , حَتَّى يَذْهَبَ بِالْقَلْبِ) ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: هَلْ رَأَيْتَ اللهَ؟ , فَيَقُولُ: مَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَرَى اللهَ ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ , فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ (مَا هُوَ اِعْتِقَادُك فِيهِ.)؟ فَيَقُولُ: هُوَ عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ , أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا يُدْرِيك (أَيُّ شَيْء أَخْبَرَك وَأَعْلَمَك بِمَا تَقُولُ مِنْ الرُّبُوبِيَّة وَالْإِسْلَام وَالرِّسَالَة)؟ , فَيَقُولُ: قَرَاتُ كِتَابَ اللهِ فَآمَنْتُ بِهِ (بِالْقُرْآنِ , أَوْ بِالنَّبِيِّ – صلى الله عليه واله وسلم – أَنَّهُ حَقّ ) وَجَاءَنَا بِالْبَيِّنَاتِ مِنْ عِنْدِ اللهِ فَصَدَّقْنَاهُ قَالَ: فَذَلِكَ قَوْلُ اللهِ – عز وجل -: {يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ أَنْ: صَدَقَ عَبْدِي , فَأَفْرِشُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ الْجَنَّةِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ فَيَقُولَانِ لَهُ: قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ هَذَا) فَيُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيُقَالُ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا وَقَاكَ اللهُ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا (بِالْفَتْحِ: الرَّاحَة وَالنَّسِيم) وَطِيبِهَا) وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ (مُنْتَهَى بَصَره) ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ (يُجْعَلُ النُّورُ لَهُ فِي قَبْرِهِ الَّذِي وُسِّعَ عَلَيْهِ، وَفِي رِوَايَةِ اِبْنِ حِبَّانَ: وَيُنَوَّرُ لَهُ كَالْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ) وَيُقَالُ لَهُ: عَلَى الْيَقِينِ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: نَمْ فَيَقُولُ: دَعُونِي أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُبَشِّرُهُمْ (بِأَنَّ حَالِي طَيِّبٌ وَلَا حُزْنَ لِي لِيَفْرَحُوا بِذَلِكَ) فَيَقُولَانِ لَهُ: نَمْ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ (يُطْلَقُ عَلَى الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى فِي أَوَّلِ اِجْتِمَاعِهِمَا , وَقَدْ يُقَالُ لِلذَّكَرِ الْعَرِيسُ , وَإِنَّمَا شَبَّهَ نَوْمَهُ بِنَوْمَةِ الْعَرُوسِ , لِأَنَّهُ يَكُونُ فِي طَيِّبِ الْعَيْشِ) الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ (هَذَا عِبَارَةٌ عَنْ عِزَّتِهِ وَتَعْظِيمِهِ عِنْدَ أَهْلِهِ , يَأْتِيهِ غَدَاةَ لَيْلَةِ زِفَافِهِ مَنْ هُوَ أَحَبُّ وَأَعْطَفُ , فَيُوقِظُهُ عَلَى الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ) حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ قَالَ: وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ , حَسَنُ الثِّيَابِ , طَيِّبُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ , فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ , فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمْ السَّاعَةَ , حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي وَمَالِي) وفي رواية: [فَيَأْتُونَ بِهِ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَهُمْ أَشَدُّ فَرَحًا بِهِ مِنْ أَحَدِكُمْ بِغَائِبِهِ يَقْدَمُ عَلَيْهِ، فَيَسْأَلُونَهُ مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ , مَاذَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: أَنْظِرُوا أَخَاكُمْ حَتَّى يَسْتَرِيحَ , فَإِنَّهُ كَانَ فِي كَرْبٍ , فَيُقْبِلُونَ عَلَيْهِ يَسْأَلُونَهُ: مَا فَعَلَ فُلَانٌ؟ , مَا فَعَلَتْ فُلَانَةُ؟ , هَلْ تَزَوَّجَتْ؟ , فَإِذَا سَألُوا عَنِ الرَّجُلِ قَدْ مَاتَ قَبْلَهُ , قَالَ لَهُمْ: إِنَّهُ قَدْ هَلَكَ ] أَمَا أَتَاكُمْ؟ قَالُوا: إِنَّا للهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ , ذُهِبَ بِهِ إِلَى أُمِّهِ الْهَاوِيَةِ، فَبِئْسَتِ الْأُمُّ، وَبِئْسَتِ الْمُرَبِيَّةُ، قَالَ: فَيَعْرِضُ عَلَيْهِمْ أَعْمَالُهُمْ، فَإِذَا رَأَوْا حَسَنًا , فَرِحُوا وَاسْتَبْشَرُوا , وَقَالُوا: اللَّهُمَّ هَذِهِ نِعْمَتُكَ عَلَى عَبْدِكَ فَأَتِمَّهَا،
وَإِنْ رَأَوْا سُوءًا قَالُوا: اللَّهُمَّ رَاجِعْ بِعَبْدِكِ (رُدَّهُ إِلَى دِينِكَ وَطَاعَتِك.) قَالَ: وَإِنَّ الْكَافِرَ الرَّجُلَ السَّوْءَ إِذَا احْتُضِرَ أَتَتْهُ مَلَائِكَةُ الْعَذَابِ ، سُودُ الْوُجُوهِ , مَعَهُمْ الْمُسُوحُ (جَمع المِسح بالكسر , وهو اللباس الخشن) فَيَجْلِسُونَ مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ , ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ , فَيَقُولُ: اخْرُجِي أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْخَبِيثَةُ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، اخْرُجِي ذَمِيمَةً
اخْرُجِي سَاخِطَةً مَسْخُوطًا عَلَيْكِ إِلَى عَذَابِ اللهِ – عز وجل – وَأَبْشِرِي بِحَمِيمٍ وَغَسَّاقٍ، وَآخَرَ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ (وَبِأَصْنَافٍ كَائِنَة مِنْ جِنْس الْمَذْكُور مِنْ الْحَمِيم وَالْغَسَّاق ) قَالَ: فَتَفَرَّقُ فِي جَسَدِهِ , فَيَنْتَزِعُهَا كَمَا يُنْتَزَعُ السَّفُّودُ (عود من حديد يُنظَم فيه اللحم لِيُشوى) مِنْ الصُّوفِ الْمَبْلُولِ فَتَتَقَطَّعُ مَعَهَا الْعُرُوقُ وَالْعَصَبُ وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَنْتَنِ رِيحِ جِيفَةٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ , فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَجْعَلُوهَا فِي تِلْكَ الْمُسُوحِ يُعْرَجُ بِهَا حَتَّى يَأْتُونَ بَابَ الْأَرْضِ فَيَقُولُ أَهْلُ السَّمَاءِ: مَا أَنْتَنَ هَذِهِ الرِّيحَ رُوحٌ خَبِيثَةٌ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ الْأَرْضِ – قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَرَدَّ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – ربطةً (ثَوْب رَقِيق، وَقِيلَ: هِيَ الْمُلَاءَة، وَكَانَ سَبَب رَدِّهَا عَلَى الْأَنْف بِسَبَبِ مَا ذَكَرَ مِنْ نَتْنِ رِيحِ رُوح الْكَافِر) كَانَتْ عَلَيْهِ عَلَى أَنْفِهِ هَكَذَا – مَنْ هَذَا؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ – بِأَقْبَحِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانَ يُسَمَّى بِهَا فِي الدُّنْيَا – فَيُقَالُ: لَا مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الْخَبِيثَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الْخَبِيثِ، ارْجِعِي ذَمِيمَةً، فَإِنَّهَا لَا تُفْتَحُ لَكِ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم -: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَلَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ} فَيَقُولُ اللهُ – عز وجل -: اكْتُبُوا كِتَابَهُ فِي سِجِّينٍ (وسِجِّينٌ: واد في جهنم نعوذ بالله منها , مُشْتَقٌّ من ذلك وقوله تعالى: {كلا إنَّ كتابَ الفُجَّار لفي سِجِّين} قيل المعنى أَن كتابهم في حَبْسٍ لخساسة منزلتهم عند الله عز وجل ) فِي الْأَرْضِ السُّفْلَى ، فَتُطْرَحُ رُوحُهُ طَرْحًا ، ، ثُمَّ قَرَأَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم -: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ, فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ} فَيُرْسَلُ بِهَا مِنْ السَّمَاءِ , ثُمَّ تَصِيرُ إِلَى الْقَبْرِ فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ , وَيَأْتِيهِ الْمَلَكَانِ فَيُجْلِسَانِهِ فِي قَبْرِهِ فَزِعًا مَشْعُوفًا (وَإِنَّ الْكَافِرَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ , أَتَاهُ مَلَكٌ فَيَنْتَهِرُهُ , فَيَقُولُ لَهُ: مَا كُنْتَ تَعْبُدُ؟ , فَيَقُولُ: لَا أَدْرِي)
فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ ، فَيَقُولُ: هَاهْ ، هَاهْ (كَلِمَة يَقُولهَا الْمُتَحَيِّر الَّذِي لَا يَقْدِر مِنْ حِيرَته لِلْخَوْفِ , أَوْ لِعَدَمِ الْفَصَاحَة أَنْ يَسْتَعْمِل لِسَانَه فِي فِيهِ) لَا أَدْرِي، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ , فَيَقُولُ: هَاهْ , هَاهْ , لَا أَدْرِي فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ , فَيَقُولُ: هَاهْ ، هَاهْ ، لَا أَدْرِي سَمِعْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ [قَوْلًا] فَقُلْتُ مِثْلَهُ (قال ابن عبد البر: كان شهد بهذه الشهادة على غير يقين يرجع إلى قلبه , فكان يسمع الناس يقولون شيئا فيقوله.) فَيَقُولَانِ لَهُ: لَا دَرَيْتَ وَلَا تَلَيْتَ (لَا فَهِمْتَ , وَلَا قَرَاتَ الْقُرْآن، وَالْمَعْنَى: لَا دَرَيْت , وَلَا اِتَّبَعْت مَنْ يَدْرِي ) قَدْ كُنَّا نَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُولُ ذَلِكَ ثُمَّ يُضْرَبُ بِمِطْرَقَةٍ مِنْ حَدِيدٍ ضَرْبَةً بَيْنَ أُذُنَيْهِ , فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا الْخَلْقُ إِلَّا الثَّقَلَيْنِ (الْإِنْس وَالْجِنّ ) فَيُفْرَجُ لَهُ قِبَلَ الْجَنَّةِ، فَيَنْظُرُ إِلَى زَهْرَتِهَا وَمَا فِيهَا، فَيَقُولَانِ لَهُ: انْظُرْ إِلَى مَا صَرَفَ اللهُ عَنْكَ، ثُمَّ يُفْرَجُ لَهُ فُرْجَةٌ قِبَلَ النَّارِ، فَيَنْظُرُ إِلَيْهَا يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا، فَيَقُولَانِ لَهُ: هَذَا مَقْعَدُكَ، عَلَى الشَّكِّ كُنْتَ، وَعَلَيْهِ مُتَّ، وَعَلَيْهِ تُبْعَثُ إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى ، فَيُنَادِي مُنَادٍ مِنْ السَّمَاءِ أَنْ كَذَبَ انْطَلِقُوا بِهِ إِلَى آخِرِ الْأَجَلِ (قَالَ الْقَاضِي: الْمُرَاد بِالْأَوَّلِ: اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْمُؤْمِن إِلَى سِدْرَة الْمُنْتَهَى، وَالْمُرَاد بِالثَّانِي: اِنْطَلِقُوا بِرُوحِ الْكَافِر إِلَى سِجِّين، فَهِيَ مُنْتَهَى الْأَجَل، وَيُحْتَمَل أَنَّ الْمُرَاد إِلَى اِنْقِضَاء أَجَل الدُّنْيَا.) حَتَّى تَاتُوا بِهِ أَرْوَاحَ الْكُفَّارِ فَافْرِشُوا لَهُ مِنْ النَّارِ , وَأَلْبِسُوهُ مِنْ النَّارِ , وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى النَّارِ , فَيَأْتِيهِ مِنْ حَرِّهَا وَسَمُومِهَا وَيُضَيَّقُ عَلَيْهِ قَبْرُهُ فَيُقَالُ لِلْأَرْضِ: الْتَئِمِي عَلَيْهِ (اِنْضَمِّي وَاجْتَمِعِي) فَتَلْتَئِمُ عَلَيْهِ حَتَّى تَخْتَلِفَ فِيهَا أَضْلَاعُهُ (جَمْع ضِلْع , وَهُوَ عَظْم الْجَنْب , أَيْ: حَتَّى يَدْخُل بَعْضهَا فِي بَعْض مِنْ شِدَّة التَّضْيِيق وَالضَّغْط – أَيْ: فِي الْأَرْضِ ، أَوْ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ) فَلَا يَزَالُ فِيهَا مُعَذَّبًا حَتَّى يَبْعَثَهُ اللهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِكَ وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ قَبِيحُ الْوَجْهِ , قَبِيحُ الثِّيَابِ , مُنْتِنُ الرِّيحِ , فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُوءُكَ , هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ , فَيَقُولُ: مَنْ أَنْتَ؟ , فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ الَّذِي يَجِيءُ بِالشَّرِّ , فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الْخَبِيثُ , فَيَقُولُ: رَبِّ لَا تُقِمْ السَّاعَةَ .
وفي رواية: ” ثُمَّ يُقَيَّضُ لَهُ (يُسَلَّط وَيُوَكَّل) أَعْمَى أَبْكَمُ (الذي خُلق أخْرَس لا يتكلَّم) لَا يَسْمَعُ صَوْتَهُ فَيَرْحَمَهُ مَعَهُ مِرْزَبَّةٌ (المِطْرَقَة الكبيرة الَّتِي يُكْسَرُ بِهَا الحِجَارة) مِنْ حَدِيدٍ , لَوْ ضُرِبَ بِهَا جَبَلٌ لَصَارَ تُرَابًا , فَيَضْرِبُهُ بِهَا ضَرْبَةً يَسْمَعُهَا مَا بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ , إِلَّا الثَّقَلَيْنِ , فَيَصِيرُ تُرَابًا , ثُمَّ تُعَادُ فِيهِ الرُّوحُ” (2)
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) وهذه الفقرة من الحديث الصحيح أو في أقل درجاته الحسن ، تؤكد ما سبق ونوهنا عنه من إثبات علو الله عز وجل و فوقيته.
(2) فِي الحديث ذَمُّ التَّقْلِيد فِي الِاعْتِقَادَات، لِمُعَاقَبَةِ مَنْ قَالَ: ” كُنْت أَسْمَعُ النَّاس يَقُولُونَ شَيْئًا فَقُلْتُه “.
وَفِيهِ أَنَّ الْمَيِّت يَحْيَا فِي قَبْره لِلْمَسْأَلَةِ ، خِلَافًا لِمَنْ رَدَّهُ وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَالُوا رَبّنَا أَمَتَّنَا اِثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتنَا اِثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] قَالَ: فَلَوْ كَانَ يَحْيَا فِي قَبْره , لَلَزِمَ أَنْ يَحْيَا ثَلَاث مَرَّات , وَيَمُوت ثَلَاثًا , وَهُوَ خِلَافُ النَّصّ.
وَالْجَوَاب: أَنَّ الْمُرَاد بِالْحَيَاةِ فِي الْقَبْر لِلْمَسْأَلَةِ , لَيْسَتْ الْحَيَاة الْمُسْتَقِرَّة الْمَعْهُودَة فِي الدُّنْيَا الَّتِي تَقُوم فِيهَا الرُّوح بِالْبَدَنِ ، وَتَدْبِيرِه وَتَصَرُّفه ، وَتَحْتَاج إِلَى مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ الْأَحْيَاء، بَلْ هِيَ مُجَرَّدُ إِعَادَةٍ لِفَائِدَةِ الِامْتِحَان الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة، فَهِيَ إِعَادَةٌ عَارِضَة، كَمَا حَيِيَ خَلْق لِكَثِيرٍ مِنْ الْأَنْبِيَاء لِمَسْأَلَتِهِمْ لَهُمْ عَنْ أَشْيَاء , ثُمَّ عَادُوا مَوْتَى. الجامع الصحيح للسنن والمسانيد .