الحسن البصري والحجاج بن يوسف الثقفي

المهندس/ محمد صلاح

الحسن البصري والحجاج بن يوسف الثقفي

لما وليَ الحجَّاجُ بن يوسف الثقفي العراقَ، وطغى في ولايته وتجبَّر، كان الحسنُ البصري أحدَ الرجال القلائل الذين تصدَّوا لطغيانه، وجهروا بين الناس بسوء أفعاله، وصدعوا بكلمة الحق في وجهه، وذات يوم بنى الحجاج قصراً عظيماً ونادى في الناس ليشهدوا تمامه وروعة منظره، فاستغل الحسن البصري تجمع الناس وقام فيهم خاطباً، وقال: “لقد نظرنا إلى ما بنى أخبث الأخبثين -يقصد الحجاج- فوجدنا أن فرعون شيّد أعظم مما شيّد وبنى أعلى مما بنى ثم أهلك الله فرعون وأتى على ما بنى وشيّد، ليت الحجاج يعلم أن أهل السماء قد مقتوه وأن أهل الأرض قد غرّوه”.

ومضى الحسن البصري على هذا المنوال حتى أشفق عليه الناس، وخافوا عليه من بطش الحجاج، فقالوا له: حَسُبك أي يكفي هذا، فقال الحسن: لقد أخذ الله الميثاق على أهل العلم ليُبينُنّه (يكشفون ويواجهون الظلم) للناس ولا يكتمونه.

دخل الحجَّاجُ إلى مجلسه، وهو يتميَّز من الغيظ، وقال لجلسائه: تباً لكم وسُحقاً، يقوم عبدٌ من عبيد أهل البصرة، ويقول فينا ما شاء أن يقول، ثم لا يجد فيكم من يردُّه، أو ينكر عليه، واللهٍ لأسقينَّكم من دمه يا معشر الجبناء، ثم أمر بالسيف والنطع (قطعة قماش أو جلد يوضع عليها الرأس المراد قطعه) ودعا بالجلاد فمَثُل واقفاً بين يديه، ثم وجَّه الحجاج بعضَ جنده إلى الحسن البصري، وأمرهم أن يأتوا به.

وما هو إلا قليل حتى جاء الحسنُ، فشخصتْ نحوه الأبصارُ، ووجفت عليه القلوبُ، فلما رأى الحسنُ السيفَ والنطع والجلادَ حرَّك شفتيه، ثم أقبل على الحجاج، وعليه جلالُ المؤمن، وعزة المسلم، ووقارُ الداعية إلى الله

لما رأى الحجاجُ الحسن البصري على حاله هذه هابه أشدَّ الهيبة، وقال له: ها هنا يا أبا سعيد، تعالَ اجلس هنا بجواري، فما زال يوسع له ويقول: ها هنا، والناس لا يصدَّقون ما يرون، فقد طلبه الحجاج ليقتله، والنطع جاهز، والسيَّاف جاهز، فكيف يستقبله الحجَّاج، ويقول له: تعال إلى هنا يا أبا سعيد؟ حتى أجلسَه على فراشه، ووضَعَه جنبه، ولما أخذ الحسنُ مجلسه التفت إليه الحجَّاجُ، وجعل يسأله عن بعض أمور الدين، والحسنُ يجيبه عن كلِّ مسألة، حتى قال له الحجاج: أنت سيدُ العلماء يا أبا سعيد، ثم دعا بغالية (نوع من أنواع الطيب) وطيَّب له بها لحيته، وودَّعه.

ولما خرج الحسنُ البصري من عنده تبعه حاجبُ الحجاج،
وقال له: يا أبا سعيد، لقد دعاك الحجاجُ لغير ما فعل بك، دعاك ليقتلك، والذي حدث أنه أكرمك، وإني رأيتك عندما أقبلت، ورأيتَ السيفَ والنطعَ قد حرَّكتَ شفتيك، فماذا قلت؟
فقال الحسن: لقد قلت: يا وليَّ نعمتي، وملاذي عند كربتي، اجعل نقمته برداً وسلاماً عليَّ، كما جعلت النارَ برداً وسلاماً على إبراهيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى