تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (688)

بقلم / جمال متولى الجمل

تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (688)

غزوة بني قريظة (33)

تفنيد الشبهات المُثارة حول غزوة بني قريظة (5) .
الرابعــــــة : لمِا لم يكن الاكتفاء بإجلائهم ( الإبعاد عن المدينة ) بدلاً من القتل كما سبق مع يهود بنو قينقاع ، وبنو النضير .

والـــــــــــــــرد على ذلك
كما ذكرنا في الحلقة السابقة ، يهود قريظة لم يسعوا لا إلى حكماً ذاتياً ، ولا إلى انفصالٍ عن المدينة، بل كان سعيهم تمرداً على النظام والحكم العام الذي رضي به وارتضاه غالب أهل المدينة ، والسعي لهدم الدولة أرضاً ونظاماً واقتلاع أو إبادة شعبها ، وكان السبيل لتحقيق هذا الهدم التعاون مع كل أعداء الدولة الإسلامية الساعين لاستئصالها من الوجود !
وجريمة يهود بني قريظة بهذا الوصف أسوأ من جريمة الخيانة العظمي ، لأن الخيانة العظمي توصيف لجريمة التجسس لصالح دولة اجنبية.

فكيف بالتحالف مع الأجنبي العدو ضد الوطن والنظام ودستورهما.
إنها جريمة تأباها النفوس والعقول السوية، وينقضها ويتقاطع معها الإخلاص والوفاء الوطني.
ويسمي صاحب هذا الفعل الخبيث في المصطلحات السياسية والعسكرية فضلاً عن القضائية كما سبق وبينا ( الخيانة والتمرد ) ، والتحالف والتخابر مع العدو وخاصة اثناء ووقت الحرب هو كفر بالوطن والعمل على هدمه بل وزواله .
وأعتقد أن هذا الهدف ظل ماثلاً في عقول يهودي بني قريظة وحلفائهم حتي وهم مقبلون على الموت ، لم يتراجعوا ولم يتوبوا عنه ، فقد قال حُيَيُّ ‏بن أخطب – مؤسس تمرد بني قريظة وهو يُساق إلى عقابه قتلاً، وقد وقعت عيناه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أما والله ما لمت نفسي في عداوتك ولكن من يخذل الله يخذل) (1)

ويقول الغزالي في ذلك :
وحييّ هذا – كما علمت – جرثومة هذه الفتن.
والحقّ أنّ من مشركي قريش ومن رجال يهود أناسا واجهوا الموت بثبات، ولن تَعدم المبادئ الباطلة والنحل الهازلة أتباعا يفتدونها بالأرواح والأموال، غير أن شيئا من هذا لا يجعل الباطل حقاً ولا الجور عدلاً(2).
فأي عقاب – قديم ، أو معاصر يستحقه هؤلاء ؟؟!

ولقد فطِن سعد بن معاذ رضي الله عنه في تحكيمه وحُكمه ، إذ لو قرر إجلاؤهم عن المدينة ، بدلاً من الحكم بإعدامهم ، لكان ذلك بمثابة السماح لهم بالتجمع ثانية والعمل الحثيث من أجل تحقيق هدفهم الخبيث ، ولكان من سمح بذلك متهاوناً بل مشاركاً وسامحاً لتقويض هذا الوطن الذي مرّ من عمره خمس سنوات قضاها في بناء ذاته واستقلاله وصدّ الساعين لهدمه ، وخاصةً أن اليهود على وجه الخصوص يتسمون بالخيانة ونقض العهد والمملائة لكل من يحقق لهم أهدافهم الإجرامية بعيداً عن قواعد الدين والعُرف .

وهذا عين ما حدث من حيي بن أخطب زعيم يهود بني النضير ، بعد أنّ تفضل عليه وعلى قبيلته رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بالجلاء عن المدينة بدلاً من قتلهم ، فقد سعي وحشد الكفار من كل حدبٍ وصوب ، من اجل استئصال دولة الإسلام .
فهل من العقل إعادة نفس التجربة ومعلوم يقيناً خطرها على الدولة والأمة ؟!

وقال اللواء الركن/ محمود شيت خطاب -رحمه الله- في كتابه (الرسول القائد): القصاص العادل الذي أصاب بني قريظة بعد استسلامهم، يقرّه كلّ إنسان واقعي سليم التفكير منصف. لقد طعن يهود المسلمين في أحرج وقت من أوقات محنتهم، ولو لم يكن هناك عهد بينهم وبين المسلمين لهان الخطب ولوجدنا بعض العذر لهم، ولكنّ أي عذر لهم وقد خانوا العهد الذي كان بينهم وبين المسلمين في مثل تلك الظروف العصيبة؟
وأحب أن أتساءل: لو نجح الأحزاب في غزوة الخندق، فماذا كانوا يفعلون بالمسلمين؟ ألم تكن عاقبة المسلمين الإبادة والتمثيل؟ فلماذا لا يبيدون الذين حاولوا معاونة أعدائهم على إبادتهم؟ لقد أفسح المسلمون المجال أمام بني قينقاع وبني النضير من يهود للجلاء إلى (خيبر) وإلى ضواحي الشام، فماذا كانت النتيجة؟ أثار يهود الذي عفا عنهم النبي -صلّى الله عليه وسلم- الأحزاب وحشدوهم أمام خندق المدينة للقضاء على المسلمين. ومع ذلك فالموقف جدّ مختلف بين موقف يهود الذين خانوا عهودهم في غزوة الخندق وبين يهود بني قريظة؛ إذ أن خيانة هؤلاء ونكثهم عهودهم كان في أحرج الأوقات وأشدها خطورة على مستقبل الإسلام والمسلمين … فهل يبقي المسلمون سلمًا على بني قريظة أيضًا ليقوموا بدور أسلافهم بني قينقاع وبني النضير؟ اهـ.

وكما قلنا سابقاً : الحُكم صدر ممن ارتضوه بني قريظة ليحكم فيهم ، وهو احد حلفائهم السابقين ( سعد بن معاذ رضي الله عنه ) الخبير والعارف بسلوكهم المشيين .

وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السيرة النبوية – للإمام بن كثير – رحمه الله تعالى .
(2) فقه السيرة – الشيخ محمد الغزالى – رحمه الله تعالى

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى