تعرف على حبيبك النبي صلى الله عليه واله وسلم (695)
بقلم : جمال متولى الجمل

بَعَثَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – إِلَى أَبِي رَافِعٍ الْيَهُودِيِّ (2) شبهة اغتيال أبي رافع اليهودي
هذه الشبهة هي نفس الشبهات التي أثيرت عند قتل اليهودي المجرم السابق كعب بن الأشرف – لعنه الله – ، ومن نفس وذات المصادر ، مستشرقين ، علمانيين ، قرآنيين ، اليهود وبعضاً من النصارى
وخلاصة الشبهة : اتهام الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه واله وسلم باغتيـــال ( المعارضين )!! .
وبالطبع هذه المقولات ليس لها أي أساس غير الطعن في الإسلام ورسوله الكريم صلى الله عليه واله وسلم ، ونحن لا نكتب ولا نتكلم إلا بالأدلة القاطعة ، فالحديث ( العمدة) في قتل هذا المجرم – سلاّم بن أبي حقيق ، وهو في صحيح البخاري ، وليس مجرد رواية تاريخية – قال نصاً :
” وَكَانَ أَبُو رَافِعٍ يُؤْذِي رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه واله وسلم – وَيُعِينُ عَلَيْهِ .. ” ويُعين عليه ، أي يُحرض عليه الأعداء ، ويؤلبهم على القيام بالأعمال والأنشطة العسكرية ضد الدولة ، التي هي وطنه ( المدينة ) وضد من تحالف معهم – المسلمون – وقد شرح ابن إسحاق في سيرته بعضاً من هذا التحريض فقال :
” ذَكَرَ اِبْن عَائِذ عَنْ عُرْوَة , أَنَّهُ كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ غَطَفَانَ وَغَيْرَهُمْ مِنْ مُشْرِكِي الْعَرَب بِالْمَالِ الْكَثِير عَلَى رَسُول الله – صلى الله عليه واله وسلم” .
فحتي لو اعتبرنا ان اليهودي أبي رافع – معارضاً – فقد حمل السلاح وحرض به على دولته العادلة المتسامحة .
وهذا في دساتير وأعراف العالم المتمدن المتحضر ، يعني انّه ” أخل بقواعد السلم الاجتماعي في المدينة المنورة ، وخالف مبادئ التعايش السلمي ، وعلاقات حُسن الجوار ، وهذا يعني انه اصبح يشكل خطرا حقيقيا على تماسك المجتمع واستقراره “(1).
هذا فضلاً عن كونه ( أبي رافع ) كان من مواطني المدينة – من بني النضير ، ولعدم عيشهم بقيم المواطنة فيها ولا التزموا بدستورها وقوانينها العادلة ، تم اجلاؤهم عنها بدلاً من قتلهم ، مما كان ينبغي ان يزيد من اعتباره بل وامتنانه بعفو دولة الإسلام عن قتلهم وهو منهم ، ويتوقف تماماً عن نشاطه المعادي لدولة المدينة ، ولكنه استمر بل وزاد من استخدام أمواله وعلاقاته في تحركاته لتجميع الأعداء ضد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ودولته ومواطنيه .
هل هذه الأنشطة الآثمة المجرِمة والمُجَرّمة تندرج تحت المعارضة السياسية مثلاً؟!.
ولو قلنا أو فرضنا جدلاً – أن هناك من يجيز المعارضة المسلحة في وقتنا المعاصر ، ضد بعض الحكومات والأنظمة !!
قلنا قد يجوز ويُباح وجود معارضة مسلحة ، ولكن بشرطين لا ثالث لهما البتة .
الأول : أن تكون مقاومة ضد المحتل لأرض الوطن ( وليست معارضة ) وهذا ما اجازته المواثيق الدولية في وقتنا المعاصر .
ولو قالوا جدلاً : أن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، ليس من أهل المدينة ، وجاء والمهاجرين معه من خارج أرضها !!
قلنا : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ، جاء للمدينة مهاجراً ومعه مسلمي مكة صحيح ، ولكنه دخل المدينة باتفاق بل باستدعاء من غالبية أهل المدينة أصحاب الأرض والدور – شعباً ونظاماً – فالشعب هم عرب المدينة ونظامهم كان يتولاه القبيلتين الكبيرتين المتحكمتين في نظام المدينة السياسي والعسكري والاجتماعي وهما قبيلتي الأوس والخزرج ، وكل من كان بالمدينة سواهم ( وخاصة يهود المدينة ) كان ينضوي تحت إمرتهم وحلفهم .
وهذا ما يُسمي في عالمنا المعاصر : استدعاءً شرعياً ( رسميا، قانونيا ، دستوريا) من حكومة شرعية تمثل الدولة وشعبها تمثيلاً مشروعاً حقيقياً .
مما يعني أن كل التبريرات التي يسقونها أعداء الإسلام لتصرفات اليهودي أبي رافع بن حقيق تبريرات ممجوجة لا حُجة منطقية فيها .
وإنها لحماقة ما بعدها حماقة من يعتبر بعد ذلك أن هذا الاغتيال ، اغتيالاً سياسيا ؟ او يعتبره تجاوزا من عدالة الإسلام ؟!
وصلى الله تعالى وسلم وبارك علي سيدنا محمد واله وصحبه
بإذن الله تعالى نلتقي في الحلقة القادمة
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) إدارة الأزمات في السنّة والسيرة النبوية – د. محمود صدقي الهباش .